ما تأويل اعتزال إبراهيم أباه وهو خليل الله؟ وما تأويل هجر سعيد بن المسيب لأبيه وهو إمام من أئمة السلف؟
وهل صلة وبر الوالدين المشركين أو الفاجرين الفاسقين المسلمين واجب بالإجماع، أم أن المسألة فيها خلاف؟ وإذا كان فيها خلاف فأرجو حكاية الخلاف باختصار؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن صلةَ الوالدين وبرهما واجب، سواء أكانا من المسلمين أم من غير المسلمين، والشاهد على ذلك عموم النصوص التي تأمر ببرهما وتحرم عقوقهما وتجعله من الكبائر.
وما كان من خليل الرحمن إبراهيم فهو اجتناب ما هم فيه من باطل ومعصية، واعتزال لهم في هذا المقام، بعد أن رأى أباه يتوعده بقوله فيما ذكر الله عنه في كتابه: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ [مريم: 46]، فأجابه إبراهيم عليه السلام بقوله: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾ [مريم: 47- 48]، وهو هجرة منه بدينه عندما هدَّده أبوه بالرجم وأمره بالهجر، وليس هجرًا لهما، بل كانت متاركة رفيقة ومفاصلة ودودة كما رأيت من قوله تعالى: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا﴾
وقد شُرع الإعراض عن العصاة واجتنابهم في حالة خوضهم في آيات الله واستهزائهم بها، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 68].
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: 140]. والله تعالى أعلى وأعلم.