أفدني فإني في حيرةٍ والأمر لا يحتمل أكثر من ذلك وإني أُذكِّرك بقول حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْـجَمَهُ اللهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» أو كما قال، وإن الله أخذ العهدَ والميثاقَ على العلماء ليُبَيِّنُنَّه للناس ولا يكتمونه.
الموضوع: رجلٌ زنى بامرأةٍ هو وأحدُ أرحامه- على الضبط: خاله- فأفقدَ البنتَ عذريتها وحملت فلما أحسَّ بالذنب عقد عليها وهو الآن في حيرة.
السؤال: هل العقد صحيحٌ أم لا؟ وإن لم يكن صحيحًا فما العمل؟
ثانيًا: هو لا يعلم هل الذي كان في رَحِم الفتاة منه أم مِن خاله، وهو الآن أنجب منها ثلاثة أطفالٍ، ووالله إنه الآن وكأنِّي أراه يتقلبُ على الجَمْر منَ الهمِّ الذي ركبه، ووالله لقد ذَبُل حتى إني أراه على وَشَكِ الموت منَ الإحساس بالذنب، وكلما توجَّه إلى شيخٍ تهرَّب منه وقرَّعه ووبَّخه أشدَّ ما يكون.
أستحلِفُكَ بالله العظيم أن تفتيَه إن كان عندك عِلْم وإلَّا طار عقلُ الرجل!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
«النَّدَمُ تَوْبَةٌ»، و«التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»، ونُذكِّر صاحبَ هذه النازلة بقول الله جلَّ وعلا: لْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]، أما عقدُه عليها فهو صحيحٌ في أرجح قولي العلماء، أما الولد فقد وقعَ خلافٌ بين أهل العِلم في ثُبوت نسبِ ولد الزنى:
– الكثرةُ الكاثرة منهم على أن ماء الزنى هدَرٌ لا يثبت به نسب؛ لحديث: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْـحَجَرُ».
– ومنهم مَن قال: إنه يثبت نسب ولد الزنى إذا استلحقه الزاني ولم ينازعه في ذلك أحد؛ لأن مورد الحديث كان في التنازع حول نسب مولود ولدته أمه وقد كانت فِرَاشًا شرعيًّا لسيدها وتنازع فيه الزاني وصاحب الفِراش فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن الولدَ لصاحب الفِراش.
– أما إذا لم تكن أمُّه فِراشًا شرعيًّا لأحدٍ فقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن المولودَ من الزنى إذا لم يكن مولودًا على فِراشٍ يدَّعيه صاحبه، وادَّعاه الزاني أُلحق به، وأوَّل قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» على أنه حكم بذلك عند تنازع الزاني وصاحب الفراش.
قال ابن القيم– بعد أن ذكر هذا: وهذا مذهب الحسن البصري، رواه عنه إسحاق بن راهويه بإسناده في رجل زنى بامرأةٍ، فولدت ولدًا فادَّعى ولدها، فقال: يُجلد ويلزمه الولد، وهذا مذهب عُروة بن الزبير، وسُليمان بن يسار، ذُكر عنهما أنهما قالا: أيما رجلٍ أتى إلى غلامٍ يزعم أنه ابنٌ له، وأنه زنى بأمه، ولم يدَّعِ ذلك الغلام أحدٌ، فهو ابنه.
واحتجَّ سُليمان بن يسار بأن عمر بن الخطاب كان يَلِيط- أي يُلحِق- أولاد الجاهلية بمن ادَّعاهم في الإسلام.
وهذا الرأي أيضًا يراه محمد بن سيرين، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ورجَّحه تلميذه ابن القيم، وروى عليُّ بن عاصم عن أبي حنيفة أنه قال: لا أرى بأسًا إذا زنى الرجل بالمرأة فحَمَلَت منه، أن يتزوَّجها مع حملها، ويستر عليها، والولد ولد له.
فالذي نرجِّحه هنا: أنه لا بأس بنسبةِ الولد إلى مَن زنى بأمِّ هذا الولد إذا لم ينازعه في ذلك الولد أحد.
ونضيف هنا بخصوص هذه النازلة نظرًا لتعاقب السائل وغيره على هذه المرأة: أنه بوسعه اللجوء إلى التحاليل الطبية والوسائل العلمية للتحقق من نفي النَّسَب عن الآخر، راحة لضميره ودفعًا للوساوس عن نفسه، والخُبراء يقولون: إن نتيجةَ التحاليل في النفي قاطعة لم يُسجل فيها خطأٌ قط. وأسأل الله أن يتقبَّلَ توبتَك وأن يجعلَ آلامَك كفَّارةً لك، والله تعالى أعلى وأعلم.
ثبوت نسب ولد الزنى
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 05 النكاح