كيف يصبح تعدُّد كيانات العمل الإسلامي ظاهرةً إيجابية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل في هذه الأمة هو الوحدة؛ وحدة الجماعة ووحدة الراية ووحدة القيادة، وكلُّ خروج عن هذا الأصل فهو خللٌ طارئ يجب أن يُرَدَّ إلى هذا الأصل، ولا يكون الرضا به إلا من جنس القبول المرحلي بالأمر الواقع، مع السعي في استصلاح الأحوال والاجتهاد في تكميل مصالحه وتقليل مفاسده؛ تمهيدًا للعودة به إلى الأصل الثابت من الوحدة حتى تعودَ الأمورُ سيرتَها الأولى.
والتعدُّد المحذور هو الذي ينشأ عنه التضارب في الموقف السياسي أو الاحتسابي، أو الذي يؤدي إلى التعصُّب ويُعقد على أساسه الولاء والبراء؛ لما يفضي إليه من تمزُّق الأمة بين انتماءات متصارعة وتحزبات منكورة.
فإن خلا التعدُّد من هذا وبقي في دائرة الفروع ومسائل الاجتهاد، فلم يتضارب به الموقف الدعوي أو السياسي أو الاحتسابي، ولم يُعقد على أساسه ولاءٌ ولا براء، بل أصبح تعدُّدَ تخصصٍ وتكاملٍ، يتنافس به الناس في الخيرات، ويتسابقون به في أعمال البر، في إطار من التناصح والتراحم وأخوة الإسلام العامة- فإنه يكون حينئذٍ ظاهرةً إيجابية تُثري العمل الإسلامي وتجدد شبابه، كما أثرت المذاهبُ الفقهيةُ من قبل شباب الفقه والنظر في الأدلة واستثمار الأحكام منها، وكانت رحمة بالأمة وتوسعةً عليها، لولا غاشية من التعصُّب غشيت بعضَ أتباع هذه المذاهب في وقت لاحق، ورثوا عن الأئمة علومهم، ولم يرثوا خُلُقَهم وفهمهم؛ فكانوا انعطافةً عارضة في ذلك المنهج الراشد القويم.
فمن معالم هذه التعددية الراشدة المقبولة ما يلي:
وحدة الأصول والمذاهب الاعتقادية:
فإذا استطاع العمل الإسلامي أن يجمع كياناته حول أصول أهل السنة والجماعة، وأن يحـصر الاختلاف في دائرة الفروع والمسائل الاجتهادية فقد اقتحم العقبة في مسألة التعدد، وامتهد السبيل للقبول بهذا التعدد، فإن الاجتماع حول هذه الأصول الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، هو الخطوة الأولى والحاسمة على طريق إنهاء فتنة التعدُّد، وتحويله إلى ظاهرة إيجابية يمكن أن يتعامل معها بنفس الرُّوح التي تعاملت بها الأمة مع تعدُّد المذاهب من قبل.
التغافر في الفروع والمسائل الاجتهادية:
فما كان للتعدد الذي وقع في باب المذاهب الفقهية أن يكون مقبولًا، وأن تُقِرَّ به الأمة على مدار التاريخ؛ لولا ما كان عليه الأئمة الأوائل من التغافر والتراحم، وثناء بعضهم على بعض، واقتداء بعضهم ببعض، ونهيهم أتباعَهم عن التعصب لهم بغير الحق، والتأكيد المستمر على أن الحجَّة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع لا غير، وأن كل الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ.
فإذا استطاعت كيانات العمل الإسلامي المعاصر أن تبقى على تناصح وتآلف وتعاضد، وأن تعقد ولاءها وبراءها على أساس الإسلام لا غير، وأن تستأصل جرثومة التعصب المذموم الذي جرَّ عليها ما جرَّ من الفتن والتهارج، وألا تفرق بين المسلمين أو تمتحنهم بما لم يأمرهم به الله ورسوله؛ وأسست نظرتها إلى التعدُّد الواقع بينها على أنه تعدُّد تخصصٍ وتنوع تتكامل به الجهود، وليس تعدَّدَ تنازعٍ وتضادٍّ يُفضي إلى البغضاء والتهارج فقد امتهد السبيل إلى القبول بهذا التعدد، على النحو الذي قبلت به الأمة تعدد المذاهب الفقهية من قبل.
وحدة المواقف العملية في المهمات والأمور العظام:
يختلف تعدُّد التجمعات الدعوية عن تعدُّد المذاهب الفقهية في أمرٍ هام، وهو أن المذاهب الفقهية حركات علمية بحتة، تمحورت حول عدد من الاجتهادات العلمية، وليس لها برامجُ محددة للاحتساب العام وتغيير الواقع القائم في الأمة، أما التجمعات الدعوية فهي حركات أخذت على عاتقها مهمةَ الاحتساب العام منذ اليوم الأول، وقامت ابتداء من أجلِ الإنكار على العلمانية والعلمانيين، وهي في سعيها لذلك لابد لها من الدخول في بعض مواقف الاحتساب الجزئي أو الشامل، مع المبطلين وخصوم الشريعة؛ الأمر الذي يقتضي إضافةَ شرط خاصٍّ لابد من تحققه في تجمعات العمل الإسلامي؛ حتى يمتهد السبيلُ إلى القبول بتعددها- وهو التنسيق بين هذه التجمعات في المسائل العظام وقضايا الاحتساب العام.
والله تعالى أعلى وأعلم.
حول تعدُّد كيانات العمل الإسلامي
تاريخ النشر : 23 يونيو, 2025
التصنيفات الموضوعية: 05 السياسية الشرعية
فتاوى ذات صلة:
