ســـــؤال:هل أسافر إلى دمشق لعيادة أمي المريضة رغم تفشي كورونا
الجـــــواب:السلام عليكم و وحمة الله و بركاته
شيخنا الفاضل انا اعيش في ديربورن، ووالدتي تعيش في دمشق ،. و وباء كورونا متفشي هناك بشدة، وو الدتي مريضة وانوي السفر الى دمشق خلال ايام ان شاء الله تعالى، فشرعآ هل يوجد اي مانع؟ جزاكم الله خيرا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن ما جاء من النهي عن الدخول على أرض الطاعون أو الخروج منها إنما هو خاص بالطاعون وليس عاما في كل وباء. والنهي إنما هو خاص بمن قصد بذلك الفرار من الطاعون، أما من فعل ذلك لشغل عَرَضَ له، أو للتداوي من علة به أو غيره، فلا حرج ولا يدخل في النهي.
واختلف في المراد بالطاعون: فقيل إنه قُرُوح تَخْرُج فِي الْجَسَد وقيل : إنه اسم لكل وباء عام ينتشر بسرعة كالكوليرا وغيرها،
وَأَمَّا ( الْوَبَاء ) فَقَالَ الْخَلِيل وَغَيْره : هُوَ مَرَض الطَّاعُون ، وَقَالَ آخرون : هُوَ كُلّ مَرَض عَامّ ، ويقول النووي رحمه الله ( الصَّحِيح الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهُ مَرَض الْكَثِيرِينَ مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْأَرْض، دُون سَائِر الْجِهَات، وَيَكُون مُخَالِفًا لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاض فِي الْكَثْرَة وَغَيْرهَا، وَيَكُون مَرَضهمْ نَوْعًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ سَائِر الْأَوْقَات، فَإِنَّ أَمْرَاضهمْ فِيهَا مُخْتَلِفَة …
والمنهي عنه في هذه الحالة هو الخروج فرارا من قدر الله، أما الخروج خرج لحاجة عرضت، أو بقصد التداوي فلا حرج فيه، لما رواه مسلم من حديث عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا ، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ وقَالَ أَبُو النَّضْرِ : لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارٌ مِنْهُ
قال ابن عبد البر في “التمهيد” (21/183( : وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت، من موضع الطاعون ، للسفر المعتاد ، إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون” انتهى
وقال ابن حجر الهيتمي: (والحاصل أن من خرج لشغل عَرَضَ له، أو للتداوي من علة به أو غيره، فلا يختلف في جواز الخروج له لأجل ذلك)
وقال ابن مفلح في “الآداب الشرعية” (3/367): وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ وَلَسْت فِيهِ: فَلَا تَقْدَمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كُنْت فِيهِ: فَلَا تَخْرُجْ مِنْهُ، لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ، وَمُرَادُهُمْ فِي دُخُولِهِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ: لِغَيْرِ سَبَبٍ، بَلْ فِرَارًا؛ وَإِلَّا: لَمْ يَحْرُمْ ” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في “الشرح الممتع” (1/110-111): “وبالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا تخرجوا منه ـ أي من البلد الذي وقع فيه ـ فراراً منه)، فقيد النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الخروج بما إذا كان فراراً، أما إذا كان الإنسان أتى إلى هذا البلد لغرض أو لتجارة وانتهت، وأراد أن يرجع إلى بلده، فلا نقول: هذا حرام عليك، بل نقول: لك أن تذهب” انتهى. فعلم من هذا أن اختلاف العلماء في حرمة أو جواز الخروج من بلد أو الدخول فيه إنما هو في الطاعون لا في سائر الهلاك، فالطاعون أخص من الوباء، والله تعالى أعلى وأعلم
وأما عموم الوباء غير الطاعون فلا حرج في الدخول إلى أرض الوباء أو الخروج منها وفق التدابير الطبية التي تقررها الجهات المعنية، فقد أذن الرسول صلى الله عليه وسلم للرعاء الذين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصبحوا
وهذا هو اختيار البخاري رحمه الله فإنه قد ترجم في صحيحه فقال : “من خرج من الأرض التي لا تلائمه” ، وساق حديث العرنيين ، يستدل به على جواز ذلك ، وفي هذا الحديث : أن جماعة أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأظهروا الإسلام ، ولكنهم أصابهم مرض من جو المدينة، حيث لم يوافق أجسامهم، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتداووا من ذلك بألبان الإبل وأبوالها ، فخرجوا من المدينة لأن تلك الإبل كانت في مراعيها .
وقد ذكر البخاري ذلك قبل ذكره للحديث الذي فيه النهي عن الخروج من أرض الطاعون فرارا منه ، فقال الحافظ ابن حجر تعليقا على ذلك قوله : ” بَاب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْض لَا تلائمه ” … وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي أَوْرَدَهُ بَعْده فِي النَّهْي عَنْ الْخُرُوج مِنْ الْأَرْض الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُون : لَيْسَ عَلَى عُمُومه ؛ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوص بِمَنْ خَرَجَ فِرَارًا مِنْهُ ، كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيره إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى” انتهى .
وقال ابن حجر الهيتمي: وخرج بالفرار من محل الطاعون الفرار من أرض الوباء، فإنه جائز بالإجماع كما قاله الجلال السيوطي. انتهى الفتاوى الفقهية.
والله تعالى أعلى وأعلم