أنا يا فضيلة الدكتور أعمل مدرسًا مساعدًا في إحدى الجامعات المصرية، ومتزوج والحمد لله ولدي أطفال، ولكني لا أريد أن آخذ أي أموال حرام، لذلك سوف أسرد ما حدث معي حتى تفتيني وتوجهني بإذن الله:
أثناء إعدادي لرسالة الماجستير كان مطلوبًا في البحث جزءٌ ميدانيٌّ، بمعنى أني لابد أن أنزل المكان التي يطبق عليها البحث، وأجمع منه بيانات عن طريق توزيع قائمة استقصاء.
وكان في بحثي مطلوب أن أجمع بيانات من شريحتين هم شريحة الموظفين العاملين في الشركات الخاصة، وشريحة عملاء هذه الشركات. وأثناء إعدادي لهذه الدراسة الميدانية كان المطلوب مني أن أجمع عددًا معينًا من الاستبيانات؛ سواء من الموظفين أو العملاء. وبالفعل قُمت بتوزيع الاستمارات على عملاء هذه الشركات ونجحت في الحصول عليها جميعًا والحمد لله.
ثم توجهت إلى الشركات المطلوب تجميع البيانات منها وحاولت قدر استطاعتي أن أجمع العدد المطلوب، ولكنهم كانوا يرفضون التعاون معي، وبعضهم كان يعاملني بطريقة غير جيدة بالمرة، ولكني استطعت بفضل الله أن أجمع جزءًا من هذه الاستبيانات بعد مشقة كبيرة، ولكن كان العدد أقل من المسموح، فحاولت أن أجمع الاستبيانات الباقية من شركات أصغر تعمل في نفس المجال، وبالرغم من ذلك لم أتمكن من أن أجمع باقي العدد المطلوب، فاضطُررت أن أكمل هذه الاستبيانات بنفسي حتى أُكمل البحث.
وبعد ذلك أثناء اختبار هذه البيانات الموجودة في الاستبيانات، ظهرت نتيجة الاختبار هكذا:
أن البيانات المتعلقة بالعملاء كانت جيدةً، بمعنى أن العملاء قاموا بقراءة الاستبيان وأجابوا عليه باهتمام.
بينما تبين أن الاستبيانات المتعلقة بالموظفين لم يتم الإجابة عليها باهتمام، بمعنى أن الموظفين كانوا يجيبون عليها دون اهتمام.
فاضطررت أن أعدِّل من هذه البيانات بمعرفتي حتى أكمل البحث؛ حيث لم يكن باستطاعتي أن أذهب إلى هذه الشركات مرة أخرى وأطلب منهم أن يُعيدوا الإجابات على هذه الاستمارات، حيث إن البعض منهم تعاون معي في المرة الأولى كارهًا وبشكل غير رسمي، وبالتالي كان من الصعب جدًّا، بل شبه مستحيل أن يقبلوا بالتعاون معي مرة أخرى.
أنا الآن أعتقد أنني ارتكبت خطأين، ولكني حتى الآن أرى أنني لم يكن أمامي أي بديل، وأنني بذلت كل ما في استطاعتي. والخطأين هما:
الأول: أنني أكملت باقي استمارات الموظفين بنفسي بعدما بذلت كل ما في استطاعتي وفقدت الأمل في تجميع المزيد.
الثاني: أنني أثناء اختبار البيانات المتعلقة بالموظفين وجدت أنهم لم يجيبوا عليها جيدًا، وبالتالي اضطررت أن أعدل فيها وأغيرها حتى أكمل البحث.
كما أنه أثناء اختبار الفروض في البحث وجدت أنها لم تتحقق، وهذا طبيعي جدًّا في البحث العلمي في أي مكان في العالم، ولكن هنا في مصر يعتبرون البحث ليس له أي قيمة إن لم تتحقَّق الفروض، وكان هذا سببًا آخر لتعديلي البيانات حتى تتحقق الفروض.
آخر ما أريد أن أتحدث عنه يا فضيلة الدكتور هو أنني- ويشهد الله- فعلت كل ما في وسعي حتى أجمع هذه البيانات ولا أعدل فيها، حتى إنني استمررت في هذه المحاولات عدة شهور وإنني ما فعلت ذلك إلا بعد أن فقدت الأمل تمامًا.
وسؤالي يا دكتور: هل ما أحصل عليه من راتب بعد أن حصلت على الماجستير يُعتبر حرامًا؟ وهل إذا ما أكملت الدكتوراه على هذا الوضع ستظل هذه الأموال حرامًا وبالتالي يجب عليَّ ترك هذا العمل؟
وهل يوجد أي سبيل آخر أن يغفر الله لي ذلك دون أن أترك العمل؟ حيث إنني لا اعلم ماذا يمكنني أن أعمل إذا ما تركت هذا العمل.
أرجو من فضيلتكم أن تجيبني؛ حيث إنني أقوم الآن بإعداد رسالة الدكتوراه، ولكني أصبحت غيرَ قادر على العمل بسبب هذا الموضوع، ولا أعلم هل أتوقف عن العمل فيها أم لا.
كما أنني أنوي بمشية الله ألا أتعامل أبدًا مع هذه الشركات، ولكن ستنصبُّ دراستي في الدكتوراه على العملاء حتى لا أقع في هذا الخطأ مرةً أخرى.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأرجو أن يسعك عفو الله عز وجل، إن كنت قد استفرغت وسعك وبذلت جهدك، ثم ندمت على ما كان منك من تفريط، ولا سبيل الآن إلى إصلاحه. فإن «النَّدم تَوْبَةٌ»([1]).
واجتهد أن لا تتعرض لهذا الموقف مرة أخرى في بحثك للدكتوراه، واجتهد في أداء عملك على الوجه الذي تبرأ به ذمتُك.
وأكثر من الاستغفار والصدقة، وربك واسع المغفرة([2]). والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________
([1]) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/ 422) حديث (4012)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4252) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/ 248) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3147) وقال: «صحيح لغيره».
([2]) قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)} [النجم: 32].