السؤال:
تزوجت برجل أحبه جدًّا بعد مدة طويلة من الانتظار، لكني أعاني وسوسة شديدة، فأصبحت أفكر بترك حياتي وأذهب لأنتحر، لعلي أن أهدأ هناك، أنا صراحة أحب زوجي جدًّا، وأريد أن يكون نكاحي به وثيقًا صحيحًا متَّفقًا عليه بين كل المذاهب، لكن المذاهب الإسلامية لم تتفق أبدًا، فزوجي كان حين يغضب يكفُرُ خطأً، وأنا نبهته فلم يعد يكفر أبدًا، فهل يحكم عليه بالردة؟ وهل ينفسخ نكاحنا مباشرةً بكلامه هذا خطأ؟ هو أقسم لي أنه ينطقه خطأ فهل انفسخ نكاحي منه؟
لكن المصيبة الكبيرة عندي أنني قرأت ولعنني الله لكثرة ما أقرأ بالفقه، رغم أنه يدمرني، قرأت أن الرِّدة تكون عند بعضهم طلاقًا، وأنا لا أعلم كيف تكون الردة طلاقًا، من أي ناحية، فهل تحتسب عليَّ طلقات؟ وكيف يطمئن قلبي وهناك أحد العلماء يُفتي خلاف الآخر؟ كيف أكون بنكاح صحيح تمامًا أمام الله رغم أن الفقه لم يتفق أبدًا؟ فهل أكون زانية لو اتبعت أن الردة تقع فسخًا؟ وهل يلزمني اتباع الأحوط وأنا لا أعلم أدلة كل واحد؟ وما ذنبي؟ أنا لم ينطق زوجي أبدًا لي بكلمات طلاق والحمد لله، وأما كلمة الكفر كما قلت لك هو متشدد في الدِّين وأنا متأكدة أن تلفظه كان بالخطأ عند غضبه، فهل أنا طالق؟ وهل يجب عليَّ أن أتبع كل أصحاب المذاهب الأربعة؟ فثلاثة من أصحاب المذاهب الأربعة يقولون أنها فسخ إلا واحدًا احتسبها طلاقًا، فهل قوله صحيح؟ وجميعنا نعلم أن لكل عالم زلة مثل أحمد يجيز زواجًا دون ولي، ومثل المذهب الذي يقول إن الوتر سنة، فهل يلزمني الاحتياط وأنا لا أعلم الأدلة؟ وهل زواجي صحيح؟ وهل زوجي أصلًا ارتد فقط لأن كلمة الكفر جاءت على لسانه خطأ؟ أريد أن أموت مسلمة وأن يجمعني الله به.
أنا أرى أن مشاكلي في تقبُّل وجود آراء مختلفة في الفقه، فهل هذا الاختلاف كي يقتلنا؟ فكما أن هناك علماء يحللون خطأ فهناك من يحرمون أمورًا خطأ، ومثلًا الإمام مالك أيضًا لا يرى حضور الشهود وقت العقد الشرعي فلكل إمام كبوة إلا رسول الله، فهل أنا ملزمة باتباع الأحوط؟ أنا لا أقدر على ذلك بالإضافة إلى أن الأحوط قد يكون شاذًّا غير مقبول، فهل يعني مثلًا أنه عليَّ أن أتبع الأحوط بأن كل ما حرمه عالم فعليَّ أن أبتعد عنه؟ فحينها أحرم نفسي من كثير من الأمور التي قسمٌ كبيرٌ منها يكون حلالًا ومباحًا، فهل الخطأ بالكفر كفرًا؟ وهل المرتد (فرضًا) يكون الفراق بينه وبين زوجته طلاقًا؟ هل يجب أن أتبع الإمام مالك بهذا الأمر ولعله يكون مخطِئًا؟ أرجوك أجبني، وشكرًا جزيلًا لك.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
تكلَّمْت في هذا من قبل مرارًا، شيطانك يأبى عليك إلا أن يُدْخلك في هذه المحرقة، ويجتهد ليفسد عليك دينك ودنياك، وأنت تعينينه على ذلك، إذا كان الفقه كما تقولين لم يتفق فلماذا ترومين المستحيل؟ ولماذا لا تأخذين برخصة الله عز وجل؟! إذا أفتاك من تثقين في دينه بصحة النكاح فأغلقي هذا الملف لتريحي وتستريحي.
مثلك لا يصلح للنظر في الفقه المقارن، فتصوبين هذا وتخطئين ذاك، مثلك يَسْتفتي من يثق في دينه وعلمه ويتبع فتواه، ويغلق الملف، ويُقْبل على حياته.
لا تحولي التدينَ إلى مصدر شقاء ونكد وهم وغم، لا تبغضي إلى نفسك عبادة ربك، لا يلزم اتفاق الفقهاء جميعًا على الزواج لكي تبرأ الذمة، خاصة لمن كانت في مثل توترك ووسوستك، بل يكفي أن تتبعي اجتهادًا سائغًا قال به أحد أئمة الفقه المتبوعين، ويغلق الملف عند هذا الحد.
أنت التي تبحثين عن السمَّ لكي تتجرعيه، أنت التي تُطلقين الرصاص على ساقك، لا بل على قلبك، ثم تولولين وتصرخين، ما بك ليس تدينًا صحيحًا، ولكنه ورع فاسد وتديُّنٌ مغلوط!
أفيقي وانتبهي يا أمَة الله، فإن أبيت إلا الانتحار فذلك قرارُك، وتحملي تبعته، وهذا بعض ما جاء في الانتحار لكي تكوني على بصيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِا خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا([1]) فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»([2]).
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([3]).
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْـجَنَّةَ»([4]). والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
([1]) أي: يطعن بها. «فتح الباري» (10/ 248).
([2]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث» حديث (5778)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» حديث (109).
([3]) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء عذب به في النار وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» حديث (6047)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه » حديث (110).
([4]) أخرجه البخاري في كتاب «أحاديث الأنبياء» باب «ما ذكر عن بني إسرائيل» حديث (3463).