لقد أرسلت لزوجتي رسالة عبر الهاتف المحمول «أنت طالق»، وكنت أمزح معها، ولم تكن لدي نية طلاق نهائيًّا، وبعدها شعرت بالندم الشديد عندما وَبَّخَتْني زوجتي وغضبت مني، وقالت ﻻ تمزح بأمور الطلاق، لكن نيتي كانت المزاح معها، ولم يكن لدي نية الطلاق نهائيًّا، فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذه للأسف مزحة ثقيلة بغيضة، ولا أدري ما هو الجميل في هذه المزحة البائسة حتى تسوء زوجَتَك بها، لتتلهَّى بمشهد فجيعتها أو وجيعتها؟!
إن الأسوياء من البشر يمزحون مع نسائهم بامتداح جمالهم، أو امتداح أخلاقهم، أو بشيء مما يدخل البهجة على قلوبهم، لا يمزحون معهم بخبر تدمير بيوتهم، وتحطيمها فوق رءوسهم، ما الذي أدخلك يا بني في هذه المضايق؟!
أما علمت أن سيدي وسيدك صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُـهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ»(1).
إن من رحمة الله بك أن أهل العلم يقولون: إن كتابة الطلاق من كنايات الطلاق، فإذا لم يقصد بها الطلاق فلا طلاق، ولو كنت نطقت بها لاحتُسبت عليك طلقةً، وساعتها لا يصلح الاعتذارُ بأنك لم تقصد إلى الطلاق؛ لأنك وإن كنت في حال النطق بهذه الكلمة يا بُني لم تقصد الطلاق ولكنك قصدت إلى اللفظ، أما ترتيب النتيجة عليه فإن مردَّ ذلك إلى الشارع، وليس إليك، وقد أخبر الشارع أن هزل الطلاق جدٌّ.
فاحمد الله على عافيته، ولا ترجع إلى الهزل بالطلاق مرةً أخرى ما حييت، أسأل الله أن يُلهمك رشدَك، وأن يردك إليه ردًّا جميلًا. ولله درُّ زوجتك التي نبَّهَتْك إلى ما لم تنتبه إليه، وذكرتك بما غفلت عنه. أسأل الله أن يبارك لك فيها، والله تعالى أعلى وأعلم.
—————————-
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «الطلاق» باب «في الطلاق على الهزل» حديث (2194)، والترمذي في كتاب «الطلاق» باب «ما جاء في الجد والهزل في الطلاق» حديث (1184)، وابن ماجه في كتاب «الطلاق» باب «من طلق أو نكح أو راجع لاعبًا» حديث (2039)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي: «حديث حسن». وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» حديث (3027).