لو سمحت يا شيخ، أنا متزوج منذ شهرين، وفي أيام الزواج الأولى حدثت مشادة كلامية مع زوجتي وقلت لها: «لو فعلتِ كذا هزعلك» وكانت نيتي أن أخاصمها أو أعاقبها، وبعدها سألتني زوجتي عن نيتي، فقلت لها «نيتي كانت الطلاق» وأنا كاذبٌ في هذا، فأنا أحبها ولا أفكر أبدًا في طلاقها، ولكن لكي أهددها وأخوفها قلتُ هذا، فما الحكم لو فعلت ذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمن أخبر بالطلاق كاذبًا كمَنْ أخبر بنيته به كاذبًا، لا يقَعُ طلاقه في باب الديانة، في الظاهر من قولَيِ العلماء، ولكن أنصحك يا بنيَّ وأنت في أول عهدك بالزواج أن لا ترجع إلى مثل ذلك، وأن لا تُعوِّد لسانك على لفظ الطلاق قطُّ، لا صدقًا ولا كذبًا، وليست الرجولة في أن تكسر زوجتك بالطلاق، بل في أن تُحسن قيادها بالمعروف وبالرفق، فما دَخَلَ الرفق في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانَهُ(1)، ولا تُقَرُّ عينُ الشيطان بشيء مثل ما تُقَرُّ عينُه بخراب البيوت العامرة، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْـمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ يَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا! قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نَعَمْ أَنْتَ». قال الأعمش: أراه قال «فيلتزمه»(2).
فاحذر الشيطان على دينك وبيتك، واتخذه عدوًّا، فقد قال ربك جلَّ وعلا:إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ [فاطر: 6]. والله تعالى أعلى وأعلم.
——————————————–
(1) فقد أخرج مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «فضل الرفق» حديث (2594) من حديث عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «صفة القيامة والجنة والنار» باب «تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس» حديث (2813) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.