بعض الاتجاهات الجهادية تقول: إن المشاركة السياسية في ظل الأنظمة الديمقراطية تلبس بالشرك. ويقولون ذلك تأسيسًا على أن الديمقراطية كفرٌ ولا يعمل بالكفر إلا في حالة الإكراه. فما الرد؟
مع العلم أنني اطلعت على بعض الردود للشيخ أبي فهر السلفي والشيخ محمد عبد الواحد كامل فلم يرو ظمئي.
هل من عذر للحاكم الذي بدَّل الشرعَ بالقوانين الفرنسية والإنجليزية، كعذر الجهل مثلًا، أم أنه معلوم من الدين بالضرورة فلا عذر له؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن المشاركة السياسية من مسائل السياسة الشرعية، التي تدور في فلك الموازنة بين المصالح والمفاسد، وتختلف فيها الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأحوال، وقد صدرت قرارات العديد من المجامع الفقهية- وهي تضم كوكبة من أهل الاختصاص من كبار علماء المسلمين- بذلك، فقد جاء في قرارُ المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي حول المشاركة السياسية ما يلي:
قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي:
1. مشاركة المسلم في الانتخابات مع غير المسلمين في البلاد غير الإسلامية من مسائل السياسة الشرعية التي يتقرر الحكم فيها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، والفتوى فيها تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
2. يجوز للمسلم الذي يتمتع بحقوق المواطنة في بلدٍ غير مسلم المشاركةُ في الانتخابات النيابية ونحوها؛ لغلبة ما تعود به مشاركتُه من المصالح الراجحة، مثل تقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام، والدفاع عن قضايا المسلمين في بلده، وتحصيل مكتسبات الأقليات الدينية والدنيوية، وتعزيز دورهم في مواقع التأثير، والتعاون مع أهل الاعتدال والإنصاف لتحقيق التعاون القائم على الحق والعدل، وذلك وَفْق الضوابط الآتية:
أولًا: أن يقصد المشارك من المسلمين بمشاركته الإسهام في تحصيل مصالح المسلمين، ودَرْء المفاسد والأضرار عنهم.
ثانيًا: أن يغلب على ظنِّ المشارك من المسلمين أن مشاركته تُفضي إلى آثار إيجابية، وتعود بالفائدة على المسلمين في هذه البلاد؛ من تعزيز مركزهم، وإيصال مطالبهم إلى أصحاب القرار، ومديري دَفَّة الحكم، والحفاظ على مصالحهم الدينية والدنيوية.
ثالثًا: ألا يترتب على مشاركة المسلم في هذه الانتخابات ما يؤدي إلى تفريطه في دينه.
ومثل هذا صدر عن مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.
وأما عُذر الحكام بغير ما أنزل الله أو عدم عذرهم، فتلك قضيةٌ لا ينبني عليها كثيرُ عمل، فإن المشتركَ العام بين المصرين منهم على هذا الباطل هو انعدامُ شرعيتهم، وانعدام تمثيلهم لجماعة المسلمين، فلا يكن همُّك إجراءَ أحكام الكُفر على التعيين على أحدٍ من الناس، ولكن اشتغل باستصلاح الأحوال، واسْعَ مع الربانيين لتحكيم الشريعة وإقامة الدين، ولا تُدخل نفسَك في مضيق إجراء الأحكام على آحاد الناس. والله تعالى أعلى وأعلم.