قلت لزوجتي تهديدًا وتخويفًا لها: «أنت طارق طارق طارق» وكان غرضي تخويفَها حتى تكفَّ عن الكلام.
وقلت لها مرة أخرى: «أنت كذا» وكنت أتجنب اللفظَ الصريح حتى لا يقع طلاقٌ؛ لأني أحبها ولا أرغب في طلاقها، ولكنها عنيدة، ولكني شككت أن يكون وقعَ طلاقٌ بذلك، فهل وقع طلاق فعلًا بذلك؟ أم هي وساوس وشكوك؟ أرجوك أفتني يا دكتور صلاح.
وأيضًا أثناء فترة العقد وقبل الدخول حلفت يمينًا معلقًا، وقد خالفتني فيه وسألنا في دار الإفتاء، وأفتونا بوجوب دفع كفارة يمين ﻷن نيتي كانت هي التهديدَ، ولكني قرأت أن هذا الرأي ضعيفٌ ﻷن الأئمة الأربعة على خلاف ذلك، وعلمت أن قانون الأحوال الشخصية في مصر يُفتي بمذهب ابن تيمية في الطلاق المعلَّق فما رأي فضيلتكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن قولك لزوجتك: «أنت طالق طالق طالق»، يعد طلاقًا صريحًا لا يُسأل فيه عن النية، فالطلاق الصريح لا يُنوَّى فيه أصحابه، بل يحتسب عليهم، وعلى نفسهم جَنَوا.
وأما بالنسبة لتكرار هذا الطلاق بقولك: «أنت طالق طالق طالق»، فإن قُصد به تأكيدُ الطلاق فهي طلقةٌ واحدة، وإن قصد به التأسيسُ وليس التأكيد فإن جمهور أهل العلم يوقعونه ثلاثًا(1). وذهب طائفة منهم إلى أنه يقع واحدةً، سواء تلفظ بها بكلمة واحدة كقوله: أنت طالق ثلاثًا، أو تلفظ بها بكلمات متفرقة، كقوله: أنت طالق أنت طالق أنت طالق. وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
واستدلوا بما رواه مسلم في «صحيحه»: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاقَ الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم (2).
ولعل الأخذ بهذا الرأي هو الأرفق بالناس، والأقرب لمقاصد الشرع من حيث المحافظة على الأُسر، وله حظٌّ من النظر يتمثل في الحديث السابق.
أما إن كنتَ قلت لها: «أنت طارق طارق طارق» فهذا ليس بطلاق ولا يقع به شيء.
أما قولك لزوجتك مرة أخرى: «أنت كذا» فهذا من كنايات الطلاق، لا يقع به الطلاق إلا مع النية، وحيث إنك لم تنوِ به الطلاقَ لقولك: «وكنت أتجنب اللفظ الصريح حتى لا يقع طلاق» لأنك تحبها. فلا يُعتبر طلاقًا ولا يُحتسب عليك.
أما ما أفتتك به دارُ الإفتاء في الطلاق المعلق، وبناء الحكم عليه، فقد مضى الأمر على ما أفتت، ولهذا المذهب حظٌّ من النظر، وقد أخذ به مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وهو الأرفق بالناس، والأقرب لمقاصد الشرع من حيث المحافظة على الأُسر.
ونوصيك بتجنُّب الغضب، وتجنب الحلف بالطلاقِ فإنه أيمانُ الفجَّار ومن لا خلاق لهم. و«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِالله أَوْ لِيَصْمُتْ»(3). والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) جاء في «التاج والإكليل» (4/59 ) من كتب المالكية « ( وبلا عطف ثلاث في المدخول بها كغيرها إن نسقه إلا لنية تأكيد فيها ) ابن عرفة تكرير اللفظ الدال على الطلاق دون تعليق وعطف يعدده إن لم ينو وحدته فيها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ثلاثا إلا أن ينوي واحدة بنى أو لم يبن ومثله أنت طالق طالق طالق»
وجاء في« أسنى المطالب في شرح روض الطالب» (3/ 288 ) من كتب الشافعية « قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق أو قال لها أنت مطلقة أنت مسرحة أنت مفارقة متواليا فيهما وكذا لو لم يكرر أنت بأن قال أنت طالق طالق طالق أو أنت مطلقة مسرحة مفارقة وقع الثلاث إن قصد الاستئناف»
وجاء في «المغني» (8/ 400 ) من كتب الحنابلة «فصل : فإن قال أنت طالق طالق طالق وقال أردت التوكيد قبل منه لأن الكلام يكرر للتوكيد كقوله عليه السلام [ فنكاحها باطل باطل باطل ] وإن قصد الإيقاع وكرر الطلقات طلقت ثلاثا».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «الطلاق» باب «طلاق الثلاث» حديث (1472).
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الشهادات» باب «كيف يستحلف؟» حديث (2679)، ومسلم في كتاب «الأيمان» باب «النهي عن الحلف بغير الله» حديث (1646)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.