أنا كنت أنا وزوجي الحالي نتعامل كزوجين مع بعض قبل الزواج نظرًا لطول مدة الخطوبة، سامحنا الله، عند حدوث أول علاقة اتَّهمني أنني لست بكرًا وأحضرت شهادةً من طبيبة أنني سليمة، أي بكر، ولكن طبيعة الغشاء كذلك، ومع ذلك استمرَّ معي على هذا الأساس، وللأسف استمررنا في علاقتنا المحرمة إلا أن أتى موعد الزفاف، وكان عقد القران في نفس يوم الزفاف، وللأسف حدثت علاقة كاملة قبل الزفاف بيوم، وفي اليوم التالي تزوجنا ومضينا في حياتنا، وبعد سنتين أنجبنا، ومضى على هذا الزواج قرابة الخمس سنوات وبضعة أشهر، ومن مدة قرأت أنه لابد من التوبة والاستبراء والعدة، وأنا لم أكن أعلم بهذا. فهل عقد زواجنا باطل؟
وما حكم أن يقول المأذون: «البكر الرشيد» في العقد، وهي كانت زانية؟ هل هذا باطلٌ أيضا أم هذا من الستر الذي قال الله تعالى عنه؟
ماذا أفعل؟ هل أنا وهو زوج وزوجة؟ أنا ندمت والله أشدَّ الندم وتُبت، ويكفيني ما رأيته من أهوالٍ في الدنيا، وكل شيء يحدُث لي أعلم أنه عقابٌ من الله.
وما معنى أن يشترط الزوج البكارةَ في العقد؟ أن يكتبها في الشروط أم أنه يتزوجها على هذا الأساس شأن كل الرجال؟ وهل يؤثر هذا على صحَّة العقد لأنها ليست بكرًا؟ أفيدوني سريعًا؛ إنني أحترق.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن زواج الزاني قبل توبتِه من الزنا موضعُ نظر بين أهل العلم، وجمهورهم(1) على عدم اشتراطِ التوبة لصحَّة العقد، وذهب الإمام أحمد(2) وطائفةٌ من السلف إلى عدم جوازه إلا بعد التوبة.
أما بالنسبة لوجوبِ الاستبراء فقد ذكرنا أنه يجب عند تزوُّج الزاني بغير من زنا بها، أما عندما يتزوج الزاني بمن زنا بها فلا يلزم الاستبراءُ في أظهر القولين؛ لأن ماء الزوج لم يَسقِ زرعَ غيره، ولأنه لو كانت حاملًا واستلحق ولده من الزنا فإنه يلحق به.
والأصل هو حِرصُ الشريعة على استقرارِ العقود، وقد تزوجتما بالفعل، فيعمل بالرخصة الفقهية، وهي اجتهادٌ يرخص في شيء أو يصححه، مقابل اجتهادات أخرى تمنعه، أو تفسده، فيعمل في مسألتك بالاجتهاد الذي يُصحِّح العقد، وإن وجدت اجتهادات أُخرى تحرمه أو تبطله.
والخلاصة زواجُك صحيح، واجتهدي في استصلاح ما أفسدت من علاقتك بربك، وأكثري من فعل الخيرات، والاجتهاد في الطاعات، والله جل وعلى أهل التقوى وأهل المغفرة(3)،{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25]. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) جاء في «تبيين الحقائق» (2/114) من كتب الحنفية، و «البحر الرائق» (3/114) من كتب الحنفية أيضا، قوله: ( ( أو زنا ) أي حل نكاح الموطوءة بزنا حتى لو رأى امرأة تزني فتزوجها جاز وله أن يطأها خلافا لمحمد والوجه من الجانبين ما بيناه في الأمة الموطوءة وهذا صريح بأن نكاح الزانية).
وجاء في «التاج والإكليل» (3/418) من كتب المالكية (قال مالك لا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء ولا أراه حراما).
وجاء في «المجموع» (16/219) من كتب الشافعية (وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم).
(2) ##. جاء في «المغني» (7/155)من كتب الحنابلة ( والشرط الثاني : أن تتوب من الزنا قاله قتادة و إسحاق و أبو عبيد).
(3) قال تعالى: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56].