إن ما تم اليوم بقتل أشخاص تابعين للحكم الفاشل «حكم محمد مرسي» هو نتاج قيام من يسمون أنفسهم «قيادات حزبهم» بالتحريض على القتل، وقولهم: «قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار»، وكذبهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه صلى الله عليه وسلم قدَّم الرئيس المعزول لإمامته في الصلاة، هؤلاء يخاطبون أناسًا مغيبين كلُّ همهم هو السمع والطاعة، فلماذا لم يكن العريان في مقدمة من قُتلوا اليوم أو صفوت حجازي أو غيرهم ممن يحرضون على العُنف والقتل، فأرجوكم ألا تكون الصحيفة كذلك، ونناشدكم كفانا إراقة دماء لإخواننا المصريين سواء ليبراليين أو مسيحيين أو مسلمين أو سلفيين، أو لأي مصري بصفة عامة، وخالص دعائنا إلى المولى عز وجل أن تنقشع هذه الغمة، وأن يعود الأمن والأمان لمصر وشعبها إنه على كل شيء قدير؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأشكر لك غيرتك على الدماء، وهي غيرة محمودة، فكلُّ ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرًا، أو مؤمنًا يقتل مؤمنًا متعمدًا(1).
ولكن دعني أتأمل معك بعض النقاط، لعل التأمل فيها يقودنا إلى كلمة سواء تتحدث عن الحكم الفاشل، وتحمل الإخوان وحدهم هذا الفشل، أليس من الإنصاف أن نذكر كذلك أن تأزيم المجتمع وتثوير أطيافه ومؤسساته وشيطنة مؤسسة الرئاسة ومن ورائها أهل الدين عامة، والإخوان خاصة طوال العام المنصرم، ومكر الليل والنهار في إشاعة ثقافة الكراهية من خلال قنوات الفتنة؛ لإفشال مؤسسة الرئاسة وإسقاطها، وأخيرًا فتنة التوقيعات التي تولت كبرها جماعة «تمرد»، كل ذلك كان أمرًا ممنهجًا، وتدبيرًا مبيتًا، لا يحتاج من المراقب إلى فطنة ليدركه؟!
فقد كان أبينَ من الشمس في رابعة النهار، وقد رُصِدت لذلك أموال هائلة، وإمكانات جبارة، وظاهَرَ على ذلك بعضُ ذوي القربى من دول الجوار غفر الله لهم، كما ظاهَرَ على عداوة مؤسسة الرئاسة فيها الإعلامُ والقضاء، ولم يعنها على مقصودها جيشٌ ولا شرطة، فإذا جردت رئيسًا من الإعلام والقضاء والجيش والشرطة فماذا بقي له؟!
فهل كان ذلك من أبرز أسباب الفشل أيضًا؟ أم أن أسبابه تقتصر على مؤسسة الرئاسة، ومن ورائها حزب الحرية والعدالة ومكتب الإرشاد؟!
أليس من الإنصاف أن نقارن بين موقف الأجهزة الأمنية من محاصرة قصر الاتحادية من قبل، وما فعله المتظاهرون ساعتها مما لا يسوغ في شرع ولا عقل، حتى بلغ بهم الحال أن جاءوا بونش ليقتلع بوابة القصر، وكل هذا لم يحرك لأجهزة الأمن ساكنًا. ثم موقفها الأخير فيما سمي بمذبحة الفَجر أو مجرزة الحرس الجمهوري التي قُتل فيها المتظاهرون بدم بارد، ومنهم ركَّع سجود؟! ولا يكاد ينقضي العجب من هذه المقارنة، وعند الله يجتمع الخصوم.
أليس من الإنصاف أن نذكر ما تلا ذلك من الانقلاب العسكري، وإغلاق القنوات الدينية، وحملة المداهمات الأمنية، والاعتقالات القمعية؟! ثم ما كان من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين فيما سمي بمذبحة الفجر أو مجزرة الحرس الجمهوري، وقتل الركع السجود بدم بارد، على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
فقد شاهد العالم أجمع الرصاص الحي وهو يحصد هؤلاء، وأن أعداد القتلى تزيد على الخمسين، وأنهم سقطوا دفعة واحدة بإصابات مباشرة بالرأس والأجزاء العليا من الجسد، الأمر الذي لا يحتاج إلى خبراء أمنىين ليعلنوا على الملأ في طمأنينة أن رصاص القناصين هو الذي فعل كل هذه الأفاعيل.
ولو صح أن الأجهزة كانت في مقام الدفاع عن مؤسسات الدولة في مواجهة إرهابيين كما تزعم، فلماذا لم تستهدف السيقان أو الأذرع بدلًا من استهداف الرءوس والقلوب؟!
ألا نرى في كل ذلك يا حبيبُ ما يستوجب النكيرَ والغضب؛ حمية للحرُمات، وغضبًا لرب الأرض والسماوات؟! فكيف نصُبُّ عتبنا وتثريبنا على الضحية، ونلتمس العذر لجلادها؟!
أرضى ويغضب قاتلي فتعجبوا
يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ(2)!
أما حكاية: «قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار»، مع إدانة الاستشهاد بها في هذا الموقف، فإنها لا تعدو أن تكون أنشودةَ الموت لمفجوعٍ لم يبق له أمل في الحياة، ولم يبق له من وسائل النجاة إلا هذه الصيحات والاحتجاجات، وهو يقف أعزل أمام خصم مدجج بكل أسباب القوة والعتاد والعدة.
يا من يعاتب مذبوحًا على دمه
ونزف شريانه ما أسهل العتبا!
من جرب الكي لا ينسى مواجعه
ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا
حبل الفجيعة ملفوف على عنقي
من ذا يعاتب مشنوقًا إذا اضطربا(3)؟
أما قضية الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وادِّعاء أنه قدَّم الرئيس مرسي للإمامة فاعرضها على قواعد الجرح والتعديل عند المحدثين، لترى مدى نصيبها من الثبوت، من ذا الذي رآها؟ وما مدى دقة نسبتها إلى الرائي؟ وما مدى شيوعها في أدبيات الإخوان وتطييرها في مجالسهم؟
وصدق الله العظيم { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6].
ثم يبقى أن الرؤى المنامية لا يُعوَّل عليها في إثبات شرع، ولا في تقرير حكم، فتلك هي رؤيا الأنبياء وحدهم.
ومع هذا فنحن نطالب معك قطعًا بالدقة في نقل مثل هذه الأخبار، ونؤكد معك أن تطييرها من غير تثبُّت افتئاتٌ على الرسالة والرسول، وفتنة للناس في دينهم ودنياهم، وأن من الكبائر أن يُري الرجل عينه ما لم تَرَ(4). وأن الكذب على رسول الله ليس كالكذب على غيره من الناس(5).
وأخيرًا: أختم بمناشدتك التي ختمت بها عتابك، فأثني عليها وأنادي بها معك: «ونناشدكم كفانا إراقة دماء لإخواننا المصريين؛ سواء ليبراليين أو مسيحيين أو مسلمين أو سلفيين، أو لأي مصري بصفة عامة، وخالص دعائنا إلى المولى عز وجل أن تنقشع هذه الأزمة، وأن يعود الأمن والأمان لمصر وشعبها، إنه على كل شيء قدير». واسلم لأخيك. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48].
(2) .
(3) .
(4) فقد أخرج البخاري في كتاب «المناقب» باب «نسبة اليمن إلى إسماعيل» حديث (3509) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يُدْعَى الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تُرَ، أَوْ يَقُولَ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ».
(5) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «العلم» باب «إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم» حديث (110)، ومسلم في «المقدمة» باب «تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم» حديث (3) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».