لقد مارست اللواط وأنا في سن التاسعة عشر وكنت أعرف أنه حرام، ولكن لا أعرف بأن عظمة هذه الفاحشة بهذا القدر، مع العلم بأنني أشعر في الرغبة في قتل نفسي وأشعر أنه ليس من حقي الزواج ولا من حقي مجالسة الآخرين وأشعر بشيء حقير ومزرٍ في داخلي؟ فماذا أفعل لأتخلص من هذا الشعور أثابكم الله؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فمع بشاعة هذه الفاحشة، وشناعة هذا المنكر إلا أن رحمة الله بالتائبين منه أعظم وأكبر، قال تعالى: { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر: 53].
وقد كتب عمر بن الخطاب إلى قدامة بن مطعون لما شرب الخمر ثم استغرقه تعاظُم هذا الذنب، حتى أوشك أن يصل به إلى القنوط، فيئس وانقطع رجاؤه، وظن أنه ليس له توبة، فكتب إليه الآية التي في أول سورة غافر: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر: 3]. ثم قال له: «لا أدري أي ذنبيك أعظم؛ شربك للخمر أولًا، أو يأسك من روح الله؟»(1).
الله تعالى يقول: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. ورحم الله الشافعي إذ يقول:
تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ
بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما(2)
فجدد حُسن ظنِّك بالله عز وجل، واعلم أن الحسنات يذهبن السيئات(3)، وأن التائب من الذنب إذا حسنُت توبته كمن لا ذنب له(4)، فأكثر من فعل الخيرات، تنغمر فيها بعد التوبة هذه الفاحشة. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) «مجموع الفتاوى» (11/405).
(2) هذا البيت للشافعي رضي الله عنه، قاله في علته التي مات فيها كما ذكر ابن الجوزي في «المنتظم» (10/138)، وهو من بحر الطويل.
(3) قال تعالى: { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
(4) أخرجه ابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «ذكر التوبة» حديث (4250) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وذكره الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» حديث (3145) وقال: «حسن لغيره».