كيف الجمعُ بين هذه الأحاديث«المجلود لا ينكح إلا مجلودة» هل هذا يعني أن المجلودَ حتى لو تاب فهو لن يكون محصنًا أو مؤمنًا أبدًا، ولا يجوزُ له نكاح إلا زانية أو مجلودة مثله حتى لو تاب؟ فالله يقول: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]. فهل هذا يدلُّ أن من أُقيم عليه الحدُّ وأصبح محدودًا أصبح زانيًا أبدًا ولا يكون أبدًا مؤمنًا كامل الإيمان حتى لو تاب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا السؤال قد جاءنا من قبل وأنفقنا فيه وقتًا طويلًا، وأخشى أن يكون نفس السائل قد أوعز لغيره بفتح هذه القضية مرةً أخرى، لقد تكلمنا فيها بما فيه الكفاية، والأجوبة منشورة على هذا الموقع، وسأوجزها إبراءً للذمة، ولن أعود للحديث التفصيلي فيها مرة أخرى، فهذا استهلاك للأعصاب والأعمار فيما لا طائل تحته!
وصفوة القول أنَّ المحدود لا يُعتبر زانيًا، فقد زال عنه هذا الوصف بالتوبة؛ لأن التوبة تجبُّ ما قبلها، ويجوز للزاني بعد التوبة أن يتزوَّج بمن زنا بها أو بغيرها، بل عند جمهور الفقهاء(1) يجوزُ ذلك ولو قبلَ التوبة، والذي اشترط التوبة من الزنا لصحة العقد هم الحنابلة(2) فقط، وقد فصَّلنا القول في ذلك.
ولكن السائل- غفر الله له- يأبى إلا أن يفترض فقهًا من عنده، ثم يولول، ويقيم جنازةً كربلائية لا وجه لها؛ فليتق الله!
ولقد قلت له في فتوى سابقة: مشكلتُك نفسية، علاجُها عند الأطباء، وليس عند الفقهاء، والذي أملكه لك هو الدعاء، أما الحكم الشرعي فقد أبلغتك. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) ##. جاء في «تبيين الحقائق» (2/114) من كتب الحنفية، و «البحر الرائق» (3/114) من كتب الحنفية أيضا، قوله: ( ( أو زنا ) أي حل نكاح الموطوءة بزنا حتى لو رأى امرأة تزني فتزوجها جاز وله أن يطأها خلافا لمحمد والوجه من الجانبين ما بيناه في الأمة الموطوءة وهذا صريح بأن نكاح الزانية).
وجاء في «التاج والإكليل» (3/418) من كتب المالكية (قال مالك لا أحب للرجل أن يتزوج المرأة المعلنة بالسوء ولا أراه حراما).
وجاء في «المجموع» (16/219) من كتب الشافعية (وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم).
(2) ##. جاء في «المغني» (7/155)من كتب الحنابلة ( والشرط الثاني : أن تتوب من الزنا قاله قتادة و إسحاق و أبو عبيد).