قال لي شخصٌ: «يا ابن الكلب». فقلت له: «أنت ابن كلب». فقال لي: «الله يلعن أمك». فقلت له: «الله يلعن أمك أنت». وانصرفت بالسيارة. فقال لي صديق: «أنت عليك ذنبٌ وإثم». فقلت له: «لا، ليس عليَّ شيء؛ لحديث: «الـمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْـمَظْلُومُ»(1). فقال لي: «نسأل». فما رأي فضيلتكم بارك الله فيكم؟
_________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «النهي عن السباب» حديث (2587) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فهذا الحديث المذكور قد أخرجه مسلم في «صحيحه»، وذكر الشيخ ابن عثمين رحمه الله في «شرحه على رياض الصالحين» في معنى هذا الحديث ما يلي: «والمعنى أن المتسابَّين إذا تسابَّا وتشاتما بكلام سيءٍ فإن الإثم على البادي منهما، ما قالا فعلى البادي منهما ما لم يعتدِ المظلوم، فإن اعتدى صار عليه الإثمُ، وفي هذا دليل على أنه يجوز للإنسان أن يسبَّ صاحبه بمثل ما سبَّه به ولا يتعدي، وهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ». قالوا: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: «يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ»(1). فدلَّ هذا على أن الإنسان إذا كان سببًا للشرِّ فإنه يناله من شرِّه ما قال، فعلى البادئ منه ما لم يعتد المظلومُ، فإن اعتدى فعليه، وإن أخذ بحقِّه بدون زيادة فليس عليه شيء والله الموفق».
فلا حرج فيما ذكرت، ولكن الأكمل من هذا أن تترفع عن المسابَّة، وأن تُعود لسانَك على عدم الفُحشِ في القول، وإن كان على سبيلِ المجازاة، وهناك ملك يدافع عنك، لم يزل دأب أصحاب المروءات الترفُّع عن مجاراة السفهاء، وعدم النزول من قمم أخلاقهم العالية إلى سفوح هؤلاء الهابطة، ولله در القائل:
يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ
فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبَا
يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلمًا
كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ(2) طيبَا
زادَك الله حلمًا وصفحًا وعفوًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «لا يسب الرجل والديه» حديث (5973)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الكبائر وأكبرها» حديث (90) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(2) هذان البيتان منسوبان للإمام الشافعي رضي الله عنه، وهما من بحر الوافر.