شيخي الحبيب، أرجو من حضرتك أن تُساعدني في هذه المسألة: هل من الممكن أن تنقل لي أقوالَ من قال من أهل العِلْم بأن من أدرك الإمام راكعًا فإنه لا يُعتَدُّ بتلك الرَّكْعة، وما هي الكتب التي يُمكن الرُّجوع إليها في هذه المسألة؟ أرجو ذِكْر أسماء العُلَماء القائلين بذلك من المُتقدِّمين ومن المتأخِّرين، وأسماء رسائل أو كُتُبٍ في هذه المسألة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن والاه أما بعد:
الذي عليه جماهير أهل العِلْم أن من أدرك الإمام راكعًا فإنه يُعتَدُّ بتلك الرَّكْعة، وخالف في ذلك بعضُهم فقال: إنه لا يُعتَدُّ بها، ويُحكى هذا القول عن أبي هريرة، واختاره ابنُ خُزَيمة والصبغي، وقوَّاه السبكي في «فتاويه»، واحتجَّ لهذا الرَّأي بما في «الطبراني» من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سُبِقْتَ»، وبما رُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ، وَلْيُعِدْ تِلْكَ الرَّكْعَةَ»، وبحديث: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».
والصَّواب الذي عليه الجمهور الاعتداد بتلك الرَّكْعة.
قال المُوفَّق ابن قُدَامة في «المُغني»: «ومن أدرك الإمامَ في الرُّكوع فقد أدرك الرَّكْعة؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ». رواه أبو داود».
وقال النَّوَويُّ في «المجموع»: «والاعتداد بتلك الرَّكْعة هو الصَّواب الذي نصَّ عليه الشَّافعيُّ، وقاله جماهيرُ الأصحاب وجماهير العُلَماء، وتظاهرت به الأحاديث، وأطبق عليه النَّاس». اهـ.
ومن الأحاديث الثابتة في ذلك:
حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو راكعٌ، فركع قبل أن يَصِلَ إلى الصَّفِّ، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «زَادَكَ اللهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ».
فقد أقرَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على اعتداده بتلك الرَّكْعة، ونهاه عن العودة إلى الدُّخول قبل الانتهاء إلى الصَّفِّ.
وقد جاء عن الصَّحابة ما يُقوِّي هذا الاستدلال؛ فأخرج الطبرانيُّ في «الكبير» بسندٍ رجالُه ثقات، من حديث زيد بن وهب أنه قال: دخلتُ أنا وابنُ مسعود المسجدَ والإمامُ راكعٌ فركعنا، ثم مضينا حتى استوينا بالصف، فلما فرغ الإمام قمت أقضي، فقال لي ابنُ مسعودٍ: قد أدركتَه.
وأخرج فيه أيضًا عن عليٍّ وابن مسعود أنهما قالا: من لم يُدرك الرَّكْعة فلا يعتد بالسجدة.
وأما ما عند الطبرانيِّ في قِصَّة أبي بكرة رضي الله عنه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: «صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سُبِقْتَ» ففي إسناده عبدُ الله بن عيسى الخزاز، وهو ضعيف، كما نصَّ عليه الحافظ الهيثميُّ في «مجمع الزوائد».
وأما حديث: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ، وَلْيُعِدِ الرَّكْعَةَ» فقد رواه البخاريُّ في جزء «القراءة خلف الإمام»، عن أبي هريرة أنه قال: إن أدركت القوم ركوعًا لم تعتدَّ بتلك الرَّكْعة.
قال الشوكاني في «نيل الأوطار»: «قال الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفًا، وأما المرفوع فلا أصل له».
وأما حديث: «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» فعمومه مُخصَّصٌ بحديث أبي بكرة، فلا تعارض بينهما.
ومن هنا يَتبيَّن ضعفُ القول بعدم الاعتداد برَكْعةِ مَن أدرك الإمامَ في الرُّكوع، بل جزم النَّوَويُّ في «المجموع» والحافظ العراقي في «طرح التثريب» بأن القولَ بذلك قولٌ منكرٌ شاذٌّ، وذَكَر أن المعروفَ من مذاهب الأئمَّة وغيرهم وعليه النَّاس قديمًا وحديثًا إدراكُ الرَّكْعة.
ونقل النَّوَويُّ عن صاحب «التَّتِمَّة» أنه تعقَّب قولَ ابنِ خزيمة والصبغي بعدم الاعتداد بالرَّكْعة بقوله: هذا ليس بصحيحٍ؛ لأن أهلَ الأعصار اتَّفقوا على الإدراك به؛ فخلاف مَنْ بَعْدهم لا يُعتَدُّ به.
والخُلَاصة: أن الاعتدادَ برَكْعةِ مَن أدرك الإمامَ في الرُّكوع هو الصَّحيح الذي عليه الجمهور، ودلَّت عليه الأحاديث، والله أعلم.
نسيان الفاتحة من الركعة الأولى
العلماء القائلون بعدم اعتداد ركعة من أدرك الإمام راكعًا
تاريخ النشر : 30 يناير, 2012
التصنيفات الموضوعية: 02 الصلاة