أرجو إفتائي في هذه المسألة بارك الله فيكم.
شركة سعودية تعمل في مجال الدعاية والإعلان، وهي وكيلة لمعظم الشركات العالمية في جميع المجالات (ملابس، سيارات، أغذية، هواتف محمولة… إلخ).
يقوم الفرد مثلًا بدفع مبلغ هو عبارة عن عقد إيجار لما يسمى «إلكترونيك أوفيس»، عن طريق وكيل لهذه الشركة، وبناء على ذلك يكون لك حساب في الشركة لمدة عام، ويجدد من خلال هذا الـ«إلكترونيك أوفس» وتقوم الشركة بإرسال الإعلانات ويقوم المشترك بعمله، وهو توزيع هذه الإعلانات وتوصيلها لأكبر عدد ممكن، وتتابع الشركة هذا العمل.
توزع الشركة هذه الإعلانات على المشتركين أسبوعيًّا، مع العلم بأني تحرَّيت ألا يكون في هذه الإعلانات شيء محرم، كالإعلان عن الخمور أو المواقع الإباحية.
يكون في مقابل ذلك مبلغ ثابت أسبوعيًّا نظير ما يقوم به المشترك من توزيع هذه الإعلانات، وينتهي هذا العقد بعد سنة من ابتدائه، ولمن يرغب في اشتراك جديد لسنة أخرى.
إن التسويق الشبكي الذي منعه الفقهاء فيه سلعة يُروَّج لها، وهنا لا توجد سلعة، هل هناك فرق؟
علمت أيضًا أن هذه الشركة لها مجالات أخرى غير الإعلانات مع عملائها الذين يروِّجُون لها هذه الإعلانات، فمثلًا لو كانت هناك شركة تُعلن عن مقاولات فهي قد تشارك هذه الشركة في مشاريع عقارية وسكنية وهذا موجود بالفعل، ويمكن لمن يرغب في أن يستثمر في مجال الإعلان أو في مجال العقارات، لكن مجال العقارات له نظام آخر وهو الأسهم، وبالطبع له طريقة أخرى في الربح.
نشكر لفضيلتكم سعة الصدر، ونعتذر على الإطالة. وجزاكم الله كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فقد صدرت فتاوى عديدة بالمنع من التسويق الشبكي أو الهرمي؛ لما يتضمنه من الغرر والظلم وأكل أموال الناس بالباطل، ومرد ذلك إلى أمرين: إلى السلعة التي تُعرض، وتكون مجردَ مُحلِّلٍ وهميٍّ للدخول في المنظومة، ولا أرب لأحد في شرائها على الحقيقة، وفي الرسم الذي يفرض ثمنًا للانضمام إلى البرنامج؛ لأن الأمر يئول بذلك إلى نقدٍ مقابل نقدٍ، فاجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلًا من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير.
ولأن السمسرة المشروعة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع سلعة، أما التسويق الهرمي فالمسوق هو نفسه يدفع أجرًا لكي يكون مسوقًا، وهذا عكس السمسرة، فإذا خلا التسويق الشبكي من هذا ومن ذاك، وكان مجرد برنامج للدعاية والإعلان، وخلا من المحاذير الشرعية، فلم تتضمن الدعاية لمحرم أو منكر؛ فإنه يدخل حينئذٍ في السمسرة المشروعة.
والأصل في العقود الحِلُّ، والعبرة فيها بالحقائق والمعاني وليس بالألفاظ والمباني، وفي الصورة المسئول عنها تحرر هذا النموذج من السلعة الوهمية، ولكن بقي ما يدفع ثمنًا للانضمام إلى هذا البرنامج، وهذا سببٌ للقول بالمنع كما ذكرنا، إلا إذا كان هذا المبلغ يسيرًا بحيث يُمكن اعتباره مجرد مصروفات إدارية، وليس مقصودًا بذاته لتمويل البرنامج، فمحلُّ الاشتباه في هذه الصورة يَكمُن في هذا المبلغ الكبير الذي يدفع في البداية كرسمٍ للاشتراك أو مقابلًا لتأجير ما سموه مكتبًا إلكترونيًّا. والشرط للتجاوز عن ذلك أن يكون في مقابل التكلفة الفعلية ومصروفات الشركة على هذه الجزئية من العمل.
وقد جاء في قرار المجمع الفقهي السوداني حول التسويق الإلكتروني: أنه لا مانع من فرض رسومٍ لاعتماد مُسوِّقي الشركة، على ألَّا تتعدى التكلفة الحقيقية لأجرة الموقع بالشبكة الدولية والخدمات الأخرى التي تتكفلها الشركة، فإذا علمت أن هذا المبلغ قد يزيد عن التكلفة الفعلية مائةَ مرة، عرفت أن هذا المبلغ ليس في مقابلة المصروفات الفعلية، بل هو الرصيد الذي تُعطَى منه الأرباح، أو نسبة كبيرة منها، ويكون الاعتماد في ذلك على التدفقات الهائلة للمشتركين، فيؤخذ من أموال زيد ليعطي لعمرو وهكذا. فإذا توقف هذا التدفق انهارت المنظومة، وهذا هو محل الشبهة؛ لأنه سيئول الأمر في النهاية إلى أنك تدفع مالًا مقابل مال مع الفضل والنسيئة، أي مع الزيادة والتأخير، فأدنى ما يقال في ذلك: إنها من المشتبهات التي من اجتنبها فقد استبرأ لعرضه ودينه(1). والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الإيمان» باب «فضل من استبرأ لدينه» حديث (52)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «أخذ الحلال وترك الشبهات» حديث (1599)، من حديث النعمان بن بشير ب قال: سمعت رَسُولَ الله ﷺ يقول: «إِنَّ الْـحَلَالَ بَيِّنٌ، وإن الْـحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْـحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْـحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ».