رجل أحرم بحجٍّ متمتعًا، فهل يجوز في أثناء تمتُّعه أن يؤدي أكثر من عمرة؟ وإن كانت الإجابة بالجواز فعل ذلك من بابٍ أولى بعد انتهاء أعمال الحج؟
أستاذنا: أرجو التفصيل؟ مع ذِكر الدليل؛ لكثرة الحاجة للإجابة.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ هو مشروعية العمرة، سواء أكان ذلك قبل الحج أو بعده، ولكن الذين يتحفظون على الإكثار من العمرة في السفرة الواحدة قالوا: إنه لم يثبت أن النبي ﷺ قد تقصد الخروج من مكة ليأتي بعمرة، بل كانت كل عمراته وهو داخل إليها، وذكروا أن عمرة أمنا عائشة ل كان لها مُسوِّغ، وهو كونها قد حاضت فعزَّ عليها ألا ترجع بحجٍّ وعمرة منفصلين كما وقع مع بقية أزواج النبي ﷺ، فطيَّب رسول الله صلى الله عليه سلم خاطرها بأن أذن لها بذلك(1).
وفي زمننا هذا نظرًا لتعقد تأشيرات الدخول إلى بلاد الحرمين، وجسامة التكاليف التي تُرصد لذلك، فلا أرى حرجًا فيمن أراد أن يعتمر عن بعض أرحامه كوالديه ونحوه أن يكرر ذلك في السفرة الواحدة، لوجود المقتضي وعدم المانع؛ فإن فرغ من ذلك فلا يكرر العمرة عن نفسه بل يُكثر من الطواف بالبيت والصلاة فيه. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الحج» باب «عمرة التنعيم» حديث (1785) من حديث جابر بن عبد الله: أن النبي ﷺ أهلَّ وأصحابه بالحج وليس مع أحدٍ منهم هديٌ غير النبي ﷺ وطلحة، وكان علي قدم من اليمن ومعه الهدي فقال: أهللتُ بما أهلَّ به رسول الله ﷺ، وأن النبي ﷺ أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرةً يطوفوا بالبيت ثم يقصروا ويحلوا إلا من معه الهدي. فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر. فبلغ النبي ﷺ فقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت». وأن عائشة حاضت فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت. قال: فلما طهرت وطافت قالت: يا رسول الله أتنطلقون بعمرة وحجة وأنطلق بالحج؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة.