هل يجوز للمسلم أن يجتهد من نفسه ويبدأ صيام شهر رمضان مع غير أهل البلد المقيم فيها، وهي بلاد مسلمة عربية، بحجة أن هلالَ رمضان قد حلَّ، وليس هناك هلالان، وأنه ممكنٌ الإعلانُ عنه في كافة الدول الإسلامية ما داموا يستطيعون نقل مباريات كرة القدم في العالم كله ولا يستطيعون الإبلاغَ عن رؤية هلال رمضان في العالم الإسلامي؛ لأسباب سياسية، بحيث إن الدولَ المجاورة للحدود والملاصقة لها قد صاموا الشهر، وإن عندنا ما زال لم يُعلن عنه إلا بعد مرور يومٍ، فهو ربٌّ واحدٌ وشهر واحد، فهنا يحدث الخلاف، فيقوم البعض بالصيام مع الدول الإسلامية التي هلَّ فيها الشهرُ. والبعض يقولون: نأخذ بالأحوط، ونتجنب الفتنة، ونصوم مع أهل البلد. فهل هذا الفعل صحيح، أم هو مخالف؟ أفيدونا بعلمكم، فنحن في حيرة من أمرنا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن «صَوْمكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ»(1)، ولا ينبغي لأحدٍ أن يخالف ما عليه الجماعة باجتهادٍ ينفرد به، وإن أبى إلا ذلك فينبغي أن يكون مخالفته سرًّا، وألا يُحدث بها فتنة، ولكن الأولى أن يجعل صيامه مع الجماعة وفطره معهم.
والعبرة ليست بميلاد الهلال في السماء، حتى يقال: ليس ثمة إلا هلال واحد. بل العبرة بمشاهدته، وتلك التي يختلف فيها الناس، وقد يُشاهده أهلُ قُطرٍ ولا يشاهده آخرون، وهنا يأتي الخلاف المعروف: هل إذا ثبت الهلال في قطر من أقطار المسلمين يلزم الصوم بقيةَ البلاد التي تشترك مع بلد الرؤية في جزء من الليل؟ أم أن لكلِّ بلد رؤيته وقراره؟ والجمهور(2) على الأول، والشافعية(3) على الثاني، فهي قضية خلافية، وليست بهذا الحسم الذي تتصورينه.
زادك الله حرصًا وتوفيقًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
____________
(1) أخرجه الترمذي في كتاب «الصوم» باب «ما جاء الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون» حديث (697)، والدارقطني في «سننه» (2/164) حديث (34)، من حديث أبي هريرة، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (3869).
(2) جاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (1/321-322): «قال رحمه الله ( ولا عبرة باختلاف المطالع ) وقيل يعتبر ومعناه أنه إذا رأى الهلال أهل بلد ولم يره أهل بلدة أخرى يجب أن يصوموا برؤية أولئك كيفما كان على قول من قال لا عبرة باختلاف المطالع وعلى قول من اعتبره ينظر فإن كان بينهما تقارب بحيث لا تختلف المطالع يجب وإن كان بحيث تختلف لا يجب وأكثر المشايخ على أنه لا يعتبر حتى إذا صام أهل بلدة ثلاثين يوما وأهل بلدة أخرى تسعة وعشرين يوما يجب عليهم قضاء يوم والأشبه أن يعتبر لأن كل قوم مخاطبون بما عندهم».
وجاء في «مواهب الجليل» (2/385): «صيام رمضان يجب بأحد خمسة أشياء إما أن يرى الهلال أو يخبر الإمام أنه قد ثبتت رؤيته عنده وإما أن يخبر العدل بذلك أو عن الناس أنهم رأوه رؤية عامة وكذلك إذا أخبره عن أهل بلد إنهم صاموا برؤية عامة أو بثبوت رؤية عند قاضيهم وإما أن يخبره شاهدان عدلان أنهما قد رأياه وإما أن يخبر بذلك شاهد واحد عدل في موضع ليس فيه إمام يتفقد أمر الهلال بالاهتبال به ، انتهى . ففيه إشارة إلى ما قاله ابن عبد السلام ، وأما قوله أنه إذا قال له الإمام : ثبتت رؤية الهلال عندي أنه يلزمه فذلك ظاهر وليس هو من خبر العدل الواحد ، والله أعلم . قال البساطي في المغني : وهذا ظاهر إذا كان الحاكم موافقا للمخبر وأما لو أخبر شافعي مالكيا ففيه نظر ، انتهى».
وجاء في «المغني» من كتب الحنابلة (3/107): «فصل: وإذا رأى الهلال أهل بلد، لزم جميع البلاد الصوم».
(3) جاء في «المجموع» (6/276-282): «(المسألة الثالثة) إذا رأوا الهلال في رمضان في بلد ولم يروه في غيره، فإن تقارب البلدان فحكمهما بلد واحد ويلزم أهل البلد الآخر الصوم بلا خلاف وإن تباعدا فوجهان مشهوران في الطريقتين ( أصحهما ) لا يجب الصوم على أهل البلد الآخر ، وبهذا قطع المصنف والشيخ أبو حامد والبندنيجي وآخرون ، وصححه العبدري والرافعي والأكثرون . ( والثاني ) يجب وبه قال الصيمري وصححه القاضي أبو الطيب والدارمي وأبو علي السنجي وغيرهم».
وجاء في «أسنى المطالب» (1/410-411): «( فرع ) لو ( رأى ) الهلال ( في بلد لزم ) حكمه ( من في غيره ) من سائر الأماكن ( ما لم تختلف المطالع ) كبغداد والكوفة والري وقزوين لأنه قريب من بلد الرؤية فهو بمنزلة من هو ببلدها كما في حاضري المسجد الحرام فإن اختلفت كالحجاز والعراق وخراسان لم يجب الصوم على من اختلف مطلعه لبعده».