ما هو الفرق بين المضاربة والمرابحة والمشاركة؟ وما أهم ملامح هذه العقود في الشريعة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن المضاربةَ هي دَفْعُ المال إلى مَن يتَّجِر فيه بجزءٍ من ربحه، وهي أداةٌ من أدوات الاستثمار الفردي والجماعي، وقد طُبِّقت بنجاح في الاستثمارات الجماعية المعاصرة، وهي من العقود المشروعة بإجماع المسلمين، ولا بأس أن يضارب العامل لربِّ مالٍ آخر، ما لم يشغله ذلك عن العمل في المضاربة الأولى.
وللمضارب إعادة المضاربة بأن يدفع هذا بأموال المضاربة إلى عاملٍ آخر إذا أُذِنَ له في ذلك أو فُوِّضَ إليه العمل برأيه، كما أن له أن يشارك بهذه الأموال آخرين.
ويشترط في ربح المضاربة أن يكون معلومًا، وأن يقسم بين الطرفين على الشيوع، فلو عَيَّنا لأحدهما مبلغًا مقطوعًا- فسدت بلا نزاع؛ لأن هذا يتنافى مع حقيقة المضاربة، ويجعلها قرضًا بفائدة، وقد أجمع الأئمة الأعلام على أن من شروط صحة المضاربة أن يكون الربح بين رب المال والمضارب على الشيوع دون تحديد قدرٍ معين لأحد منهما.
والربح في المضاربة وقاية لرأس المال، فليس للعامل ربح حتى يَسْلَمَ رأس المال، ويقسم الربح بين الطرفين على ما يتفقان عليه، أما الخسارة فإنها تكون على رب المال وحده، ولا يخسر العامل إلا جهده.
ولا ضمان على المضارب في هذا العقد إلا بالتفريط أو التعدي، ولا اعتبار للحِيل التي يُراد بها التحيُّل إلى إبطال هذا الأصل.
والمضاربة من العقود الجائزة، فيجوز فسخها من أحد الطرفين، إلا أنها تلزم بالشروع في العمل في أرجح قولي العلماء، دفعًا للضرر الذي يترتب على الفسخ المفاجِئ.
أما المرابحة فهي البيع برأس المال مع زيادة ربح معلوم، وهي صورةٌ من صور البيع، فتحل بما تحل به البيوع، وتحرم بما تحرم به البيوع، والمساومة أحبُّ إلى أهل العلم من المرابحة؛ لأن مبنى المرابحة على الصدق والأمانة، ولا يؤمن هوى النفس في نوع من التأويل أو التدليس، ويجب أن تُصان بيوع المرابحة عن الخيانة والتهمة، وذلك ببيان كل ما يؤثر بيانه في إرادة المشتري ورغبته في الشراء.
والصورة الشائعة للمرابحة في الاستثمارات المصرفية المعاصرة أن يتلقى المصرف أمرًا من العميل بشراء سلعة معينة بمواصفات محددة، واعدًا بشرائها بطريق المرابحة، فيقوم المصرف بناء على ذلك بشراء هذه السلعة ثم يبيعها لهذا العميل برأس مالها وزيادة الربح المتفق عليه.
وهي على هذا النحو مشروعة، طالما كانت تقع على المأمور مسئولية التلف قبل التسليم، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم، وتوافرت فيها شروط البيع وانتفت موانعه.
والوعد الذي يصدر من الآمِر أو المأمور على وجه الانفراد يكون مُلزِمًا للواعد ديانةً إلا لعذر، وهو مُلزِم قضاءً إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد.
أما المواعدة وهي التي تصدر من الطرفين، فإنها تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز؛ لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه، حيث يشترط عندئذٍ أن يكون البائع مالكًا للمبيع؛ لنهي النبي ﷺ عن بيع الإنسان ما ليس عنده(1).
أما الشركة فهي الاجتماع في استحقاق أو تصرف، أو هي استقرار ملكية شيء له قيمة مالية بين اثنين أو أكثر لكلِّ واحد منهما أن يتصرف فيه تصرف المالك، والشركات في الفقه الإسلامي أنواع عديدة منها ما يرجع إلى الملك، ومنها ما يرجع إلى العقد، ومن ناحية مشروعيتها منها ما هو مُتَّفَق عليه، ومنها ما هو مُختلَفٌ فيه، وقد أجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة، وإن كانوا قد اختلفوا في أنواع منها، وتعد المشاركات من أساليب الاستثمار المتميزة في الفقه الإسلامي حيث تلائم طبيعة المصارف الإسلامية، ويمكن استخدامها في تمويل الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
ومن أبرز أنواع الشركات في الفقه الإسلامي شركة العنان، وهي أنسب أنواع الشركات لأعمال المصارف فهي تقوم على اشتراك طرفين بأموالهما على أن يعملا فيها والربح بينهما، أو على أن ينفرد أحدهما بالعمل مقابل زيادة في نسبة ما يخصه من ربح، ولا يشترط فيها تساوي المالين ولا اتفاقهما في الجنس، ولا شك أنها على هذا النحو هي النوع الذي يتفق مع طبيعة العمل المصرفي، حيث يقوم المصرف بالمساهمة في المشروع القائم، أو المزمع قيامه مفوضًا إلى شريكه الاضطلاع بكافة المهام الاستثمارية مكتفيًا هو بدور الرقابة العامة والمتابعة الإجمالية.
وتكاد تتفق كلمة الفقهاء في الجملة على أن الإسلام ليس شرطًا في صحة عقد الشركة، فالشركة بين المسلم وغير المسلم صحيحة في الجملة، شريطة التأكد من شرعية أعمال الشركة والتزامها بالمعايير الشرعية.
هذا، ويتميز أسلوب البنك الإسلامي في التمويل بالمشاركة عن أساليب البنوك التجارية في التمويل الإقراض في أن مشاركةَ البنك الإسلامي تتطلب اشتراك البنك بخبراته المختلفة في البحث عن أفضل مجالات الاستثمار والطرق التي تؤدي إلى ضمان نجاح المشروع وتؤكد ربحيته.
أﻧواع المشاركات ﻓﻲ اﻟﻣﺻﺎرف اﻹﺳﻼﻣﻳﺔ:
أولًا: اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟداﺋﻣﺔ:
وﻫﻲ اﺷﺗراك اﻟﺑﻧك ﻓﻲ ﻣﺷروع ﻣﻌﻳن ﺑﻬدف اﻟرﺑﺢ، دون أن ﻳﺗم ﺗﺣدﻳد أَﺟَﻝٍ ﻣﻌﻳن ﻻﻧﺗﻬﺎء ﻫذﻩ اﻟﺷرﻛﺔ، وﻣﺛﺎﻝ ذﻟك اﺷﺗراك اﻟﺑﻧوك اﻹﺳﻼﻣﻳﺔ ﻓﻲ إﻧﺷﺎء اﻟﺷرﻛﺎت اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ، أو اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻳﻬﺎ ﺑﻬدف اﻟﺳﻳطرة ﻋﻠﻳﻬﺎ، أو ﺑﻬدف اﻟﺑﻘﺎء ﻓﻳﻬﺎ ﻷﺳﺑﺎب ﻣﻌﻳﻧة.
ﺛﺎﻧﻳًﺎ: اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻣؤﻗﺗﺔ:
وﻫﻲ اﺷﺗراك اﻟﺑﻧك ﻓﻲ ﻣﺷروع ﻣﻌﻳن ﺑﻬدف اﻟﺳرﻋﺔ ﻣﻊ ﺗﺣدﻳد أَﺟَﻝ أو طرﻳﻘﺔ ﻹﻧﻬﺎء ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﺑﻧك ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺷروع ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻝ، وﻫذﻩ اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﻧوﻋﻳن:
أ- اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ ﺗﻣوﻳﻝ ﺻﻔﻘة ﻣﻌﻳﻧة: وﻫﻲ اﺷﺗراك اﻟﺑﻧك اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻊ أﺣد اﻟﺗﺟﺎر أو إﺣدى اﻟﻣؤﺳﺳﺎت ﻓﻲ ﺗﻣوﻳﻝ ﺻﻔﻘة ﻣﻌﻳﻧة ﻋﻠﻰ أن ﻳﻘﺗﺳﻣﺎ اﻟرﺑﺢ ﺑﻧﺳب ﻣﻌﻳﻧة، ﻓﻳﺗم ﺗﺻﻔﻳﺔ اﻟﺻﻔﻘﺔ واﺣﺗﺳﺎب ﺣﺻﺔ ﻛﻝ طرف ﻣن اﻷرﺑﺎح وﺗﺳﻠﻳﻣﻬﺎ ﻟﻪ ﺑﻌد إﻋﺎدة رأﺳﻣﺎﻟﻪ ﻟﻪ، وﺑﻬذا ﺗﻧﺗﻬﻲ اﻟﺷرﻛﺔ.
وﻣﺛﺎﻝ ذﻟك اﺷﺗراك اﻟﺑﻧك ﻣﻊ أﺣد اﻟﻣﻘﺎوﻟﻳن ﻓﻲ ﺗﻧﻔﻳذ ﻋطﺎء ﺑﻧﺎء ﻣﺟﻣﻊ ﺗﺟﺎري أو اﺷﺗراﻛﻪ ﻣﻊ أﺣد ﺗﺟﺎر اﻟﻣواد اﻟﻐذاﺋﻳﺔ ﻓﻲ اﺳﺗﻳراد ﻣواد ﻏذاﺋﻳﺔ ﻣﻌﻳﻧﺔ ﺗﺣﺗﺎﺟﻬﺎ اﻟﺑﻠد ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﺣﻛوﻣﺔ أو ﻟﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻻﺳﺗﻬﻼﻛﻳﺔ اﻟﻣدﻧﻳﺔ أو اﻟﻌﺳﻛرﻳﺔ.
ب- اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻣﻧﺗﻬﻳﺔ ﺑﺎﻟﺗﻣﻠﻳك (اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎﻗﺻﺔ):
وﻫﻲ اشتراك البنك اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣﻊ طرف أو أطراف أﺧرى ﻓﻲ إﻧﺷﺎء ﻣﺷروع معين ﺑرأﺳﻣﺎﻝ معين، ﺑﺣﻳث ﻳﺳﻫم اﻟﺑﻧك واﻟﺷرﻛﺎء ﻓﻲ رأﺳﻣﺎﻝ ﻫذا اﻟﻣﺷروع ﺑﻧﺳب ﻣﻌﻳﻧة، ﻋﻠﻰ أن ﻳﻘوم اﻟطرف اﻵﺧر (اﻟﺷرﻳك اﻵﺧر، أو أﺣد اﻟﺷرﻛﺎء) ﺑﺷراء ﺣﺻﺔ اﻟﺑﻧك ﺗدرﻳﺟﻳًّﺎ ﻣن اﻷرﺑﺎح اﻟﺗﻲ ﻳﺣﺻﻝ ﻋﻠﻳﻬﺎ إﻟﻰ أن ﺗﻧﺗﻘﻝ ﺣﺻﺔ اﻟﺑﻧك ﻓﻲ رأﺳﻣﺎﻝ اﻟﻣﺷروع ﺑﺎﻟﻛﺎﻣﻝ وﺑﺷﻛﻝ ﺗدرﻳﺟﻲ ﻟﻠطرف اﻵﺧر، وﻳﺻﺑﺢ اﻟﺷرﻳك اﻵﺧر ﻫو ﻣﺎﻟك اﻟﻣﺷروع وﻳﺧرج اﻟﺑﻧك ﻣن اﻟﺷرﻛﺔ.
هذا، وللمشاركة المتناقصة صور عديدة، ويبقى الجامع بينهما هو هذا القدر العام، وهو حلول العميل محل البنك تدريجيًّا في تملك حصته شيئًا فشيئًا إلى أن يستقل العميل بالكلية بتملك المشروع.
هذه إطلالة عامة على هذه العقود الثلاثة، وهناك تفصيلات فقهية كثيرة تتعلق بكل واحد منها يُرجع إليها في مظانِّها من كتب الفروع. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (3/402) حديث (15346)، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في الرجل يبيع ما ليس عنده» حديث (3503)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك» حديث (1232) و (1233)، من حديث حكيم بن حزام قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يأتيني الرجل يسألني من البيعِ ما ليس عندي أبتاعُ له من السوق ثم أبيعه؟ قال: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»، وقال الترمذي: «حديث حسن»، وذكره الألباني في «صحيح الجامع» حديث (7206).