الحد الفاصل بين «من رأى منكم منكرًا…» وبين الوقيعة بين الأطراف، فأنا أعمل لدى شركة بها اثنان من الشركاء بنسبة مشاركة تميل لصالح أحدهما، وبحكم عملي اطَّلعت على تصرفاتٍ من أحدهم تُسيء ماليًّا إلى الآخر بما يزيد من صافي الدَّخْل لأحدهما عن الآخر بشكل غير سليم، وبحكم مسئوليَّتي وموقعي لو كشفت هذه الأساليب ستحدث وقيعةٌ وقطيعة لا حدود لها، خصوصًا مع إحساس الطَّرَف الآخر بتجاوزات شريكه غير أنه لا يستطيع إثباتها إلا عن طريقي. السُّؤال هل أُفشي هذا السر أم أظل على كتماني وأترك هذا الشريك على جهله بما ينهب من أمواله؟ وجزاكم اللهُ خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فنرى أن تبدأ بالنَّصيحة لهذا الشريك المتورط في الظُّلْم وتذكره بأن اللهَ ثالثُ الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان خرج من بينهما وجاء الشَّيطان(1)، وتذكره بأن الظُّلْم ظلمات يوم القيامة(2)، وأن حقوق العباد لا يتركها اللهُ أبدًا، بل القصاص لا محالة(3)، وتذكره بحرج موقعك بحكم اطِّلاعك على هذه البيانات وأنه لا يسعك الكتمان، ثم انظر كيف تكون ردود أفعاله ولكلِّ حادثٍ حديث. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) سبق ذكره وتخريجه الشركة» حديث (3383).
(2) ففي الحديث المتفق عليه؛ الذي أخرجه البخاري في كتاب «المظالم والغصب» باب «الظلم ظلمات يوم القيامة» حديث (2447)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «تحريم الظلم» حديث (2579)، من حديث عبد الله بن عمر ب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
(3) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (6/240) حديث (26073)، والحاكم في «مستدركه» (4/619) حديث (8717)، من حديث عائشة ل قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الدَّوَاوِينُ عِنْدَ الله عز وجل ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ الله مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ. فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ فَالشِّرْكُ بِالله قَالَ اللهُ ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ﴾ [المائدة: 72] وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فَإِنَّ اللهَ عز وجل يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».