ما حكمُ شراء كلب للحراسة؟ لأنه لا يوجد أحدٌ يُعطيني مجانًا؛ وهو هام لحراسة الفيلا وخاصة مع كثرة اللصوص. وما حكم بيع القطط؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ هو النهيُ عن بيع الكلب وأن ثمنه خبيثٌ، وهذا هو مذهب جماهير أهل العِلْمِ(1)؛ قال العراقي في «طرح التثريب»: «وقال أصحابنا وغيرهم: يجوز اقتناءُ الكلب لهذه المنافع الثلاثة: وهي الاصطياد به، وحفظ الماشية، والزرع. واختلفوا في اقتنائه لخصلةٍ رابعة، وهي اقتناؤه لحفظ الدُّور والدُّروب ونحوها، فقال بعض أصحابنا: لا يجوز؛ لهذا الحديث وغيره؛ فإنه مُصرِّح بالنهي، إلا لأحدِ هذه الأمور الثلاثة. وقال أكثرهم وهو الأصح: يجوز؛ قياسًا على الثلاثة، عملًا بالعلة المفهومة من الحديث وهي الحاجة». انتهى.
ولما ورد في ذلك من أدلة صريحة صحيحة، نذكر منها:
• روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه : أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ َكَلْبَ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». زاد أبو هريرة: أو كلب حرث(2).
• وفي الصَّحيحين أيضًا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ثَمَن الكلب(3)، وأخبر أن ثمن الكلب خبيث(4).
• ما رواه البخاري في «صحيحه» عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ثمنِ الكلبِ(5).
• وما رواه البخاري ومسلم عن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلبِ ومهرِ البغي وحلوان الكاهِن(6).
• وما رواه أبو داود عن عبد الله بنِ عباسٍ ب قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ثمنِ الكلبِ، وإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفَّه ترابًا(7).
• وما رواه أبو داود عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَلَا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَلَا مَهْرُ الْبَغِيِّ»(8).
• وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ثَمَنُ الْـخَمْرِ حَرَامٌ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ حَرَامٌ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ حَرَامٌ، وَالْكُوبَةُ(9) حَرَامٌ، وَإِنْ أَتَاكَ صَاحِبُ الْكَلْبِ يَلْتَمِسُ ثَمَنَهُ فَامْلأْ يَدَيْهِ تُرَابًا، وَالْـخَمْرُ وَالـْمَيْسِرُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»(10).
وأجاز أبوحنيفة(11) ومالك(12) في رواية بيع الكلاب المعلَّمة، أي المأذون في استعمالها، ومن أدلَّتهم على ذلك ما رواه النَّسائيُّ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّور إلا كلب صيدٍ. وهذا الاستثناء في الحديث: «إلا كلب صيدٍ» ضعيف. قال النَّسائي بعد روايته للحديث: هذا مُنكَر(13). وقال السندي في «حاشية النسائي»: «ضعيف باتِّفاق المحدثين»(14). وقال النووي في «شرح مسلم»: «وأما الأحاديث الواردة في النهي عن ثمن الكلب إلا كلب صيد، وأن عثمان غرم إنسانًا ثمن كلبٍ قتله عشرين بعيرًا، وعن ابن عمرو بن العاص التغريم في إتلافه، فكلُّها ضعيفة باتِّفاق أئمة الحديث». انتهى(15). لكن قال الحافظ: «رجاله ثقات»(16).
وفي الباب حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا الكلب المعلم(17). وفي الحديث مقال، وقد ذكر الألباني أنه حديث حسن(18). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ سُحْتٌ: كَسْبُ الْـحَجَّامِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ إِلَّا الْكَلْبَ الضَّارِيَ»(19)، وقد ذكره الألباني في الصحيحة(20)، فيكون هذا الحديث والذي قبله مخصِّصًا لعموم النصوص التي تنهى عن ثمن الكلب، وهذا الذي نراه راجحًا في النظر.
ولكنك إذا احتجت لهذا الكلب ولم تجد من يبذله لك إلا بمقابلٍ فلا حرج، ويكون حينئذٍ من العقود التي تحلُّ من جانبٍ وتمنع من جانب، كما لو تعيَّنت الرِّشوة سبيلًا لاستخلاص حقٍّ أو دفع مظلمة، قال ابن حزم في «المحلى»: «ولا يحلُّ بيعُ كلبٍ أصلًا، لا كلب صيدٍ ولا كلب ماشية ولا غيرهما، فإن اضطر إليه ولم يجد من يعطيه إيَّاه فله ابتياعه، وهو حلالٌ للمشتري حرام على البائع، يُنتزع منه الثمن متى قُدر عليه، كالرشوة في دفع الظلم وفداء الأسير، ومصانعة الظالم ولا فرق». انتهى(21).
أما القطط فالجمهور على جواز بيعها، وخالف في ذلك ابنُ القيم وبعضُ أهل العلم، فمنع مِن بيعها؛ نظرًا لما ورد في ذلك من آثارٍ صحيحة:
فقد روى مسلم عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسِّنَّور؟ قال: زَجَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك(22).
وروى أبو داود والترمذي: عن جابرٍ بن عبد الله ب قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور(23).
وعلى كلِّ حالٍ الأمرُ في بيع القطط أوسعُ منه في بيع الكلاب، والحزم تجنُّب هذا، وذاك خروجًا من الخلاف، والتماسًا لبراءة الذمة وسلامة الدين، فإن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه(24). والله تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) جاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (2/170-171): «(ونهي عن بيع الكلاب)».
وجاء في «المجموع» من كتب الشافعية (9/269-274): «( فرعٌ ) ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز بيع الكلب، سواءٌ كان معلمًا أو غيره، وسواءٌ كان جروًا أو كبيرًا، ولا قيمة على من أتلفه، وبهذا قال جماهير العلماء، وهو مذهب أبي هريرة والحسن البصري والأوزاعي وربيعة والحكم وحماد وأحمد وداود وابن المنذر وغيرهم».
وجاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (4/280): «(ولا يجوز بيع الكلب) هذا المذهب مطلقًا. وعليه الأصحاب. وقطعوا به».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك» حديث (1574).
(3) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «ثمن الكلب» حديث (2237)، ومسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور» حديث (1567)، من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه .
(4) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي والنهي عن بيع السنور» حديث (1568) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه .
(5) أخرجه البخاري في كتاب «البيوع» باب «ثمن الكلب» حديث (2238).
(6) متفق عليه.
(7) أخرجه أبو داود في كتاب «البيوع» باب «في أثمان الكلاب» حديث (3482)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3482).
(8) أخرجه أبو داود في كتاب «البيوع» باب «في أثمان الكلاب» حديث (3484)، والنسائي في كتاب «الصيد والذبائح» باب «النهي عن ثمن الكلاب» حديث (4293)، وذكره ابن الملقن في «البدر المنير» (6/442) وقال: «إسناده حسن».
(9) قال العظيم آبادي في «عون المعبود شرح سنن أبي داود» (10/90): «والكوبة: بضم أوله في «النهاية» قيل: هي النرد. وقيل: الطَّبل أي الصغير».
(10) أخرجه الطبراني في «الكبير» (12 /102) حديث (12601)، والدارقطني في «سننه» (3 /7) حديث (19) بلفظه وتمامه، وأحمد في «مسنده» (1/356) حديث (3345) بنحوه، وأبو داود في كتاب «البيوع» باب «في أثمان الكلاب» حديث (3482) ببعضه. وذكره ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (2/443) وعزاه لأبي داود من رواية ابن عباس رضي الله عنه وقال: «على شرط الصحيح لا أعلم له علة». والألباني في «السلسلة الصحيحة» (1806).
(11) جاء في «فتح القدير» من كتب الحنفية (7/118-122): «قال (ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع، المعلم وغير المعلم في ذلك سواء)، وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه غير منتفع به. وقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلب، لقوله عليه الصلاة والسلام: إن من السحت مهر البغي وثمن الكلب. ولأنه نجس العين والنجاسة تشعر بهوان المحل وجواز البيع يشعر بإعزازه فكان منتفيا. ولنا أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الكلب إلا كلب صيد أو ماشية. ولأنه منتفع به حراسة واصطيادا فكان ما لا يجوز بيعه، بخلاف الهوام المؤذية؛ لأنه لا ينتفع بها، والحديث محمول على الابتداء قلعا لهم عن الاقتناء ولا نسلم نجاسة العين، ولو سلم فيحرم التناول دون البيع».
(12) وجاء في «حاشية العدوي» من كتب المالكية (2/170-171): «(ونهي عن بيع الكلاب)… (واختلف في) جواز (بيع ما أذن في اتخاذه منها) أي من الكلاب للحراسة، والصيد في جوازه ومنعه على قولين مشهورين».
(13) أخرجه النسائي في كتاب «البيوع» باب «ما استثني» حديث (4668) وقال: «هذا منكر».
(14) «حاشية السندي على سنن النسائي» (7/191).
(15) «شرح النووي على صحيح مسلم» (10/233).
(16) «فتح الباري» (4/427).
(17) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/317) حديث (14451)، والنسائي في كتاب «الصيد والذبائح» باب «الرخصة في ثمن كلب الصيد» حديث (4295).
(18) «صحيح الجامع» (6947).
(19) أخرجه الطبراني في «الأوسط» (3/382) حديث (3462)، والدارقطني في «سننه» (3 /73) حديث (273).
(20) «السلسلة الصحيحة» (2990).
(21) «المحلى» (9/9).
(22) أخرجه مسلم في كتاب «المساقاة» باب «تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي» حديث (1569).
(23) أخرجه أبو داود في كتاب «البيوع» باب «في ثمن السنور» حديث (3479)، والترمذي في كتاب «البيوع» باب «ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور» حديث (1279)، وقال الترمذي: «هذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح في ثمن السنور، وقد روي هذا الحديث عن الأعمش عن بعض أصحابه عن جابر، واضطربوا على الأعمش في رواية هذا الحديث وقد كره قوم من أهل العلم ثمن الهر ورخص فيه بعضهم وهو قول أحمد وإسحاق، وروى ابن فضيل عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه»، وذكره الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3479).
(24) متفق عليه.