بسم الله الرحمن الرحيم، قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ…» الحديث.
تقدم لخطبتي زميلي بالعمل، وهو شاب ذو أخلاق كريمة وفي نفسي قبول اتجاهه، ولكني علمت بعد ذلك أنه من الطائفة العلوية، علما بأني سنية، وقد أخبرني أنهم قريبون في عبادتهم من السنة، وربما الفارق الوحيد بيننا وبينهم هو فارق تاريخي قد أكل عليه الزمان وشرب، وأنه يفضل الزواج من سنية عن الزواج من بنات طائفته، وأنا الآن في حيرة من أمري، هل أقبل مما رأيت من حُسن أخلاقه أم أرفض لاختلاف الطائفة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الطائفة العلوية طائفة مغلقة على نفسها، مغتربة عن محيطها، لها عقيدة دينية سرِّية تحرص على عدم البوح بها للغرباء، ولقد جاء في «دائرة معارف القرن العشرين» لمحمد فريد وجدي: «النصيرية: طائفة من الطوائف الباطنية سميت بهذا الاسم نسبة إلى ابن نصير النميري الذي جاء من بلاد فارس، والديانة عندهم سرٌّ من الأسرار العميقة، لا يبوحون به لسواهم، والمرأة عندهم لا تعطى هذا السر مطلقًا لأنها ضعيفة العقل والإرادة، ولا تؤتمن على هذا السر.
أما الرجل فلا يسلم السر إلا متى بلغ التاسعة عشرة، فيعقدون إذ ذاك الاجتماع الخاص لتسليمه سرَّ الديانة، ويكون الاجتماع مؤلفًا من بعض مشايخهم مع كفيلين يضمنان محافظته على سريته، وهكذا يلقنونه سر ديانتهم بعد أن يحلف اليمين المقررة عندهم بألا يبوح به ولو أريق دمه، ولهم في كيفية إدخال رجالهم في أسرار الدين طرق تشبه بعض الطرق المستعملة في الجمعيات الماسونية».
وقال الشيخ عطية صقر رحمه الله تعالى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا :: «النصيرية: وهم أتباع أحد وكلاء الحسن العسكري واسمه محمد بن نُصير، والذين تسموا في عهد الاحتلال الفرنسي بسوريا باسم العلويين».
ومن كتاب «تاريخ العلويين» لمحمد أمين غالب الطويل، وهو نصيري، ومن غيره من الكتب والمراجع نوجز أهم مبادئهم فيما يلي:
1- الولاية لعلي، زاعمين أن النبي ﷺ بايعه ثلاث مرات سرًّا، ومرة رابعةً جهرًا.
2- عصمة الأئمة؛ لأن الخطايا رجس، وقد قال الله في أهل البيت: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33] وبناء على ذلك يعتقدون أن الإمام أعلى من بعض الوجوه من الأنبياء؛ لأنهم معرضون للخطأ، ولم يرد في القرآن ما ينزههم عنه، أما الأئمة فمعصومون بنص القرآن.
3- التقية: أو التكتم في الدين، فإخفاء عقيدتهم من كمال الإيمان.
4- علم الباطن: فهو في زعمهم مختص بهم، وهم على صواب دائمًا في تفسير القرآن وعلم أسراره لأنهم معصومون.
وبناء على هذه الأصول قالوا بألوهية متحدة الحقيقة مثلثة الأجزاء، فالألوهية معنى وحقيقة، وهو علي، ولها اسم وحجاب، وهو محمد، ولها باب يوصل إليها، وهو سلمان، فعليٌّ رب العالمين، والقرآن منه، وكل نبي بعث فهو الذي بعثه ليتكلم بلسانه، وكان هو مع كل رسول متجسدًا في صورة وصي له، ويرمزون إلى هذا الثالوث برمز « ع. م. س».
ولهم تفريعات على ذلك: فالعبادات الواردة في القرآن بما فيها من أوامر ونواهٍ هي أسماء أماكن، والأشهر الحُرم عندهم هي: فاطمة والحسن والحسين وعلي ابنه، والقيامة عندهم في قيامة المحتجب صاحب الزمان.
والمنتسبون إلى هذا المذهب طبقات، منهم متعلمون لا يدينون به، لكن لا يجدون عوضًا عنه، ومنهم الشيوخ والرؤساء المتمسكون، ومنهم العامة الذين يعيشون على غير هدى، والحكم عليهم مذكور مع الدروز.
وقال ابن عابدين أيضًا في «رد المحتار» في فصل المحرمات عند قول المصنف: «وحرم نكاح الوثنية بالإجماع» ما نصه: «قلت: وشمل ذلك الدروز والنصيرية والنيامنة؛ فلا تحل مناكحتهم ولا تؤكل ذبيحتهم؛ لأنهم ليس لهم كتاب سماوي». انتهى.
وبمثل هذا الكلام أيضًا ما أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية : فيهم.
وعليه؛ فإذا كان هذا الرجل على هذه العقائد السالفة فلا يجوز لك نكاحه؛ لأنه ليس من أهل القبلة وإن زعم بلسانه خلاف ذلك، وأما إذا كان قد تاب منها وأقلع عنها أو كان من عوامهم الذين لا تعدو صلته بهم إلا أن تكون مجرد انتماء تاريخي وهو لا يدري عن عقائدهم ولا عن عقائد غيرهم شيئًا، وكان مرضي الدين والخلق- فلا مانع من نكاحه من حيث المبدأ، وإن كنا ننصح بالتريث والاحتياط.
ولكن أنَّى لك بذلك مع التقية التي يتوارثونها كابرًا عن كابر؟! فننصحك بالاحتياط والابتعاد عن مثل هذه المجازفة، وسيعوضك الله خيرًا، والله تعالى أعلى وأعلم.