قمتُ برمي الجمرات أنا وزوجتي في ثاني أيام التشريق قبل الزوال مخافة ألا نتمكن من طواف الإفاضة مع الوداع وسعي الحج؛ نظرًا لظروف الزحام الشَّديد بالحرم وخوفي على زوجتي، ونظرًا لورود رسائل متكررة تنصح بعدم الذهاب للحرم لوجود زحام شديد، ولكون حملة الحج متعجلة، فقد خِفْت أن أفوِّت ركنين أساسيين من أركان الحج. فهل علينا شيء في ذلك؟ وفَّقكم الله.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ هو رمي الجمار في أيام التشريق بعد الزوال للحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه والتِّرمذي وقال: حديث حسن، عن ابن عبَّاس ب: أن النبي صلى الله عليه وسلم  رمى الجمار عند زوال الشمس أو بعد زوال الشمس(1)، وهذا هو الذي عليه جماهير أهل العلم، وهو المذهب عند المالكيَّة(2) والشَّافعية(3) والحنابلة(4).
وخالَفَ في ذلك بعض أهل العلم فأجازوا الرمي قبل الزوال، وهو رأيٌ لعطاء بن أبي رباح وطاوس بن كيسان، ومذهب لبعض الأحناف(5) والشَّافعية(6) والحنابلة(7).
وصفوة القول أنه لا ينبغي الترخص في ذلك لغير عذر، أما إذا وجد عذر من زحام شديد أو خيفت الهلَكة، أو كان للرجل رفقة مسافرة لا يستطيع أن يتأخر عنهم على النَّحْو الوارد في السُّؤال فلا حرج في الترخص بالرمي قبل الزوال، فإن لمن وقع في ضرورة أن يقلِّدَ من أجاز. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

__________________

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/248) حديث (2231)، أخرجه الترمذي في كتاب «الحج» باب «ما جاء في الرمي بعد زوال الشمس» حديث (898)، وابن ماجه في كتاب «المناسك» باب «رمي الجمار أيام التشريق» حديث (3054). وقال الترمذي: «حديث حسن».

(2) جاء في «حاشية الدسوقي» من كتب المالكية (2/50): «(و) إذا عاد الحاج يوم النحر لمنى (رمى كل يوم) بعد يوم النحر الجمار (الثلاث) كل واحدة بسبع حصيات يبدأ بالتي تلي مسجد منى ثم الوسطى التي بالسوق (وختم بالعقبة) فجملة الحصيات سبعون لغير المتعجل وتسعة وأربعون للمتعجل ووقت أداء كل (من الزوال للغروب)».

(3) جاء في «حاشية الجمل» من كتب الشافعية (2/469-472): «(و) يجب (رمي كل يوم) من أيام التشريق (بعد زوال إلى الجمرات الثلاث)».
وجاء في «البجيرمي على الخطيب» من كتب الشافعية (2/444-446): «(و) الواجب الثاني (رمي الجمار الثلاث) كل يوم من أيام التشريق الثلاث، ويدخل رمي كل يوم من أيام التشريق بزوال شمسه، ويخرج وقت اختياره بغروبها، وأما وقت جوازه فإلى آخر أيام التشريق».

(4) جاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (4/44-46): «قوله (ويرمي الجمرات بها في أيام التشريق بعد الزوال) هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه قال ابن الجوزي في المذهب، ومسبوك الذهب: إذا رمى في اليومين الأولين من أيام منى قبل الزوال: لم يجزه رواية واحدة فأما في اليوم الأخير: فيجوز في إحدى الروايتين انتهى».

(5) جاء في «بدائع الصنائع» من كتب الحنفية (2/137-138): «(فصل): وأما، وقت الرمي فأيام الرمي أربعة: يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، أما يوم النحر فأول وقت الرمي منه ما بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر فلا يجوز قبل طلوعه، وأول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال، وهذا عندنا».

(6) جاء في «أسنى المطالب» من كتب الشافعية (1/471): «وللرمي) للجمار (في كل يوم) من أيام التشريق كما قيد بها الأصل لآثار وردت في ذلك ولأن هذه مواضع يجتمع لها الناس فأشبه غسل الجمعة ونحوها قال الزركشي: والتعبير بالأيام يقتضي جوازه قبل الزوال وينبغي تقييده بالزوال كالرمي لأنه تابع له والأوجه خلاف ما قاله كما في الغسل للعيد والجمعة».

(7) جاء في «الإنصاف» من كتب الحنابلة (4/44-46): «وجوز ابن الجوزي الرمي قبل الزوال وقال في الواضح: ويجوز الرمي بطلوع الشمس إلا ثالث يوم وأطلق في منسكه أيضا: أن له الرمي من أول يوم وأنه يرمي في اليوم الثالث كاليومين قبله ثم ينفر وعنه : يجوز رمي متعجل قبل الزوال وينفر بعده، ونقل ابن منصور: إن رمى عند طلوعها متعجلا، ثم نفر كأنه لم ير عليه دما وجزم به الزركشي».