1- هل يجوز إخراج بعض أموال الزَّكاة للمدارس الإسلاميَّة؟
2- هناك مسجد قلَّ رصيدُه، حتى إنهم سيُضطرون إلى فصل موظفٍ أو أكثر من أجل قلة المال. فهل يجوز أن يُدفع راتب الموظف من الصدقة حتى لا يفصلوه ويستمر في خدمته؟
3- مجموعة من الآباء المسلمين في مدينة كيبك بكندا، وجدوا أنه من الضروري إقامة مدرسة إسلامية غير ربحية؛ وذلك لتعليم أبنائهم الإيمان واحترام القيم الإسلامية.
وقد بذلت جهود كثيرة ولا تزال تُبذل للحفاظ على قيام واستمرار هذه المدرسة على الرغم من الصعوبات التي تواجه مثل هذه المشاريع.
وقد طُلب من بعض المسلمين المقيمين هنا إعطاء جزء من زكاتهم للمدرسة، ولكن البعض الآخر يُشكِّك في مطابقة هذا الأمر للشرع.
لذلك فإني أطلب من سيادتكم فتوى خاصة باسم مدرسة الامتياز بكيبك، تُوضِّح لنا فيها ما إذا كان الأمر جائزًا شرعًا أم لا، والدلائل الفقهية على ذلك؛ درءًا للجدل وإراحةً لضمائر المسلمين، إن لم أثقل على سيادتكم في ذلك.
لذلك فإني ألقي على عاتق سيادتكم هذا الحمل في وضع أرضية صُلبة نقف عليها فيما يتعلق بهذا الأمر. بارك الله فيكم، وجعل جهدكم في ميزان الحسنات.
هل يجوز المساهمةُ في بناء مسجدٍ من أموال زكاة المال؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصلَ في مصارف الزَّكاة ما جاء في سورة التَّوْبة من قولِ الله ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، ومصرف «في سبيل الله» يُقصد به الغزاة المتطوِّعون، وقد أدخل فيه بعضُ أهل العلم أعمالَ الدعوة إلى الله عز وجل وما يُعين عليها من مُؤسَّسات ومرافق.
وقد صدر قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بأن مصرفَ «في سببيل الله» يشمل أعمالَ الدعوة إلى الله عز وجل ، وبناء على ذلك فإن المدارسَ الإسلاميَّة التي تقوم على حماية الناشئة من الفساد والانحلال الخلقي وتوفِّر لهم بيئةً إسلاميَّة نقيَّة من مصارف الزَّكاة؛ لدخولها في مصرف «في سبيل الله عز وجل ».
والأصل في بناء المساجد أنه ليس من مصارف الزَّكاة، إلا إذا تعيَّن بعضُها لإقامة الدِّين والمحافظة على التوحيد، كما هو الحال في المراكز الإسلاميَّة خارج ديار الإسلام، أو ما يُشبهها في بعض المناطق داخل ديار الإسلام.
وإليك نصُّ هذا القرار الصادر عن مجمع الرابطة في هذا الصدد:
القرار الرابع: بشأن جمع وتقسيم الزَّكاة والعشر في باكستان:
الحمدُ لله رب العالمين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمد، وعلى آلِه وصحبه أجمعين. وبعدُ:
فإن مجلسَ المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثَّامنة المنعقدة بمكة المكرمة، فيما بين 27 ربيع الآخر 1405هـ، و8 جمادى الأولى 1405هـ. بناء على الخطاب الموجَّه إلى سماحة رئيس المجلس الشَّيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، من سفارة الباكستان بجُدة، رقم 4/سياسية 63/ 83، وتاريخ 27 يونيو 1983م، ومشفوعه استفتاء بعنوان: (جمع وتقسيم الزَّكاة والعشر في باكستان)، والمُحال من قِبل سماحته إلى مجلس المجمع الفقهي، بخطابه رقم 1062/2 وتاريخ 61 ذي القعدة 1403هـ. وبعد اطِّلاع المجلس على ترجمة الاستفتاء الذي يُطلب فيه الإفادة: هل أحد مصارف الزَّكاة الثمانية المذكورة في الآية الكريمة، وهو: ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60] يَقصُر معناه على الغُزاة في سبيل الله، أم أن سبيلَ الله عامٌّ لكلِّ وجهٍ من وجوه البِرِّ من المرافق والمصالح العامَّة، من بناء المساجد، والربط، والقناطر، وتعليم العلم، وبث الدعاة… إلخ.
وبعد دراسة الموضوع ومناقشته، وتداول الرأي فيه، ظهر أن للعلماء في المسألة قولين:
أحدهما: قصر معنى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60] في الآية الكريمة على الغزاة في سبيل الله، وهذا رأي جمهور العلماء، وأصحاب هذا القول يُريدون قَصْرَ نصيب ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60] من الزَّكاة على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى.
القول الثَّاني: أن سبيلَ الله شاملٌ عامٌّ لكلِّ طرق الخير والمرافق العامَّة للمسلمين: من بناء المساجد وصيانتها، وبناء المدارس، والرَّبْط، وفتح الطرق، وبناء الجسور، وإعداد المؤن الحربيَّة، وبثِّ الدُّعاة، وغير ذلك من المرافق العامَّة مما ينفع الدِّين وينفع المسلمين، وهذا قول قِلَّة من المتقدمين، وقد ارتضاه واختاره كثيرٌ من المتأخرين.
وبعد تداول الرأي ومناقشة أدِلَّة الفريقين قرَّر المجلس بالأكثرية ما يلي:
1- نظرًا إلى أن القول الثَّاني قد قال به طائفةٌ من علماء المسلمين، وأن له حظًّا من النَّظَر في بعض الآيات الكريمة، مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى﴾ [البقرة: 262] ومن الأحاديث الشريفة مثل ما جاء في «سنن أبي داود»: أن رجلًا جعل ناقةً في سبيل الله، فأرادت امرأتُه الحجَّ، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «ارْكَبِيهَا؛ فَإِنَّ الْـحَجَّ فِي سَبِيلِ الله»(1).
2- ونظرًا إلى أن القصدَ من الجهاد بالسلاح هو إعلاءُ كلمة الله تعالى، وأن إعلاءَ كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون أيضًا بالدعوة إلى الله تعالى ونشر دينه: بإعداد الدعاة، ودعمهم، ومساعدتهم على أداء مهمتهم، فيكون كلا الأمرين جهادًا؛ لما روى الإمامُ أحمد، والنَّسَائي، وصحَّحه الحاكم، عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جَاهِدُوا الْـمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»(2).
3- ونظرًا إلى أن الإسلامَ مُحارَب بالغزو الفكريِّ والعَقَدي من الملاحدة واليهود والنَّصارى وسائر أعداء الدين، وأن لهؤلاء من يدعمهم الدَّعم المادِّيَّ والمعنوي، فإنه يتعيَّن على المسلمين أن يقابلوهم بمثل السلاح الذي يغزون به الإسلام، وبما هو أنكى منه.
4- ونظرًا إلى أن الحروبَ في البلاد الإسلاميَّة أصبح لها وزاراتٌ خاصَّة بها، ولها بنود ماليَّة في ميزانية كلِّ دولة، بخلاف الجهاد بالدعوة، فإنه لا يوجد له في ميزانيات غالب الدُّول مساعدة ولا عون؛ لذلك كلِّه فإن المجلسَ يُقرِّر بالأكثرية المطلقة دخولَ الدعوة إلى الله تعالى وما يُعين عليها ويدعم أعمالها في معنى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 60] في الآية الكريمة. هذا وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقد سُئل الشيخ عبد الله بن جبرين عضو هيئة كبار العلماء في بلاد الحرمين عن مدى مشروعية صرف جزء من أموال الزكاة في دعم مدارس تحفيظ القرآن الكريم؟
فقال :: إن الزكاة شُرعت لسدِّ حاجة ذوي الحاجات من الفقراء والمستضعفين، وشرعت أيضًا لدعم المجالات الخيرية، كإعطاء المُكاتَبين والمجاهدين والمنقطعين والمُؤلَّفة قلوبهم، فإن ذلك دليل على أنها شُرعت للمصالح الخيرية التي يُتوصَّل بها إلى نتائج طيبة ويحصل من آثارها فوائد تعود على المسلمين بالخير والبركة.
وقد أفتى مشايخنا بجواز صرفها في الدعوة إلى الله ووسائلها، كالرسائل والأشرطة وإعاشة الدعاة المتفرغين للدعوة، فإن من ذلك صرفها في مدارس تحفيظ القرآن الخيرية؛ لما لها من الأثر المفيد والنتائج الطيبة والتشجيع على حفظ القرآن والعمل به، فأرى جواز صرفها لهؤلاء إذا لم يوجد جهات أخرى تقوم بها حتى لا تتعطل هذه الجهات الدينية، والله أعلم.
ومن ناحية النظر المصلحي فإن هذه المؤسسات الإسلامية إذا لم تجد فُسحة في أموال الزكاة تعطَّلت مرافقها وتوقفت مسيرتها، ولا تلبث أن تُصبح أثرًا بعد عَيْنٍ!
ولما كانت الشريعة المطهرة قد جاءت بتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، فإن النظر المصلحي المقاصدي يترجَّح به مشروعية دفع أموال الزكاة لدعم المدارس الإسلامية ونظائرها من المؤسسات التي تحفظ الإسلام على أهله خارج ديار الإسلام. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________________
(1) أخرجه أبو داود في كتاب «المناسك» باب «العمرة» حديث (1989)، وابن خزيمة في «صحيحه» (4/72) حديث (2376)، من حديث أم معقل، قالت: لما حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل، فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ من حجه جئته فقال: «يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا؟»، قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال: «فهلا خرجت عليه، فإن الحج في سبيل الله»، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1752).
(2) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/124) حديث (12268)، وأبو داود في كتاب «الجهاد» باب «كراهية ترك الغزو» حديث (2504)، والنسائي في كتاب «الجهاد» باب «وجوب الجهاد» حديث (3096)، والحاكم في «مستدركه» (2/91) حديث (2427). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وذكره ابن حزم في «الإحكام» (1/29) وقال: «قال أبو محمد: وهذا حديث في غاية الصحة»، وصححه الألباني في «صحيح وضعيف سنن النسائي» حديث (3192).