أبي له علاقة آثمة مع امرأة غير أمي، ويرفض أن يتزوجها، وهو ينفق عليها ويقتر على بيته. أمي تعلم ما ينفقه عليها من ورقة يكتب فيها المصروفات بغير علمه. استعملت أمي الحيلة للوقيعة بينه وبينها بادعاء أن هناك من اتصل بنا وأخبرنا أنه أنفق عليها كذا وكذا، واستدعاني أبي للشهادة فأقررت كلام أمي. هل أكون آثمًا أنا وأمي بالكذب على أبي أم أن هذا من الكذب المباح؟ ثم بم تنصحوننا لحل هذه المشكلة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الكذب عورةٌ لا توارى، وخُلق ذميم لا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلجأ إليه إلا تحت مطارق الضرورة، فإن «الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذَّابًا»(1)، فإن أُلجئ أحد إلى الكذب فإن في المعاريض مندوحة منه، كأن يورِّي بأمر يقصد به معنى ويفهمه محدثه على وجه آخر، كما قال خليل الرحمن: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: 63].
وعلى كل حال ينبغي أن تصل أباك موعظة بليغة بأن يتقي الله وأن يبين له أن علاقته بهذه المرأة مما لا يليق بسنه ولا بدينه، وأنه مما يعرضه لسخط الله ومقته:
…………………………. كفَى الشيبُ والإسلامُ للمرء ناهيَا(2)
أما أمك فقد يكون من الخير لها أن تُصارح أباك في خلوةٍ بينهما بأنها تعرف ما يجري بينه وبين هذه المرأة، وأنها صبرتْ على ذلك تقديرًا للعِشرة القائمة بينهما، وأنها لا تُطِيق صبرًا على ذلك إن هو تمادى في غيِّه، وتذكِّره بالله وتخوفِّه مقته وسخطه، لعل الله أن يشرح صدره للحق وأن يوفِّقه للتوبة، والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «الأدب» باب «قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]» حديث (6094)، ومسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «قبح الكذب وحسن الصدق وفضله» حديث (2607) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .
(2) عجز بيت من بحر الطويل، وهو لسحيم. عبد حبشي اشتراه بنو الحسحاس وهم بطن من بني أسد. وهو شاعر مجيد عرف بغزله الصريح وتشبيبهه ببنات أسياده. شاعر مخضرم أدرك الإسلام وأسلم وقد تمثل النبي ﷺ بشيء من شعره، ويروى أنه تمثل قوله: «كفى بالشيب والإسلام للمرء ناهيًا».