هذا سؤال عاجل نرجو من فضيلة العلامة الدكتور: صلاح الصاوي، شيخ الديار الأمريكية، بأن يتفضل مشكورًا للإجابة على هذا السؤال، الخاص بنازلة في باب المعاملات، ونسأل الله أن يبارك فيه ويجزيه خير الجزاء في الدارين.
النازلة: تقرر إنشاء موقع «أكاديمي» على الإنترنت مشابه لموقع (الفيس بوك) على التقيد بحذف أي شيء إباحي (جنسي) ويترك خلاف ذلك. هل إذا وضعت أستاذة جامعية أو طالبة صورةً لها متبرجة ولكن بغير إباحية ( صورة غير جنسية)، كما هو المعتاد لمستخدمي مثل هذه المواقع، أو محاضرة لأستاذة جامعية متبرجة، أو شيئًا فيه موسيقى، أو أغنية، ونحو ذلك من تلك الأشياء. هل يجوز عمل مثل هذا المشروع؟ وفى النهاية أود أن أقدم خالص شكرنا لفضيلة العلامة الشيخ الدكتور: صلاح الصاوي، حفظه الله، وأسعده الله في الدارين، وسدد الله حجته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فزادك الله حرصًا وتوفيقًا، وأكثر من أمثالك الحريصين على دينهم، والغيورين على محارم الله عز و جل ، نحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
ونود أن نفرق- أيها الموفق- بين الأمل والواقع، إن المأمول أن نصلح مؤسساتنا الأكاديمية ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، وألا نسمح فيها بشيء يغضب الله عز و جل ، سواء أتعلق بفساد في المنهج أم فساد في القائمين على تدريسه، وإننا لنتطلع إلى يومٍ نتمكن فيه من إقامة مؤسساتنا التعليمية على سنن الهدى وجادة الطهر والصيانة بإذن الله، ولكن الواقع- أيها الموفق- في زمننا هذا: أن البلوى قد عمت بالفساد في كثير من المرافق تحت خيمة الكيانات العلمانية، سواء أكانت هذه المرافق تعليمية أم غير تعليمية، فاختلطت المصالح بالمفاسد، وامتزج الخير بالشر في كثير من المواقع، فعرف الاختلاط المنكر في هذه الجامعات، وساد فيها التبرج الفاحش، وتسممت البيئة التعليمية، وتكدر المناخ.
ومع ذلك فلم يزل الناس يطلبون العلم في مختلف الجامعات الشرقية والغربية، والأساتذة فيها أخلاط من الرجال ومن النساء، وأمشاج من الصالحين والطالحين، لا يجمع بينهم إلا المهنية والتخصص، ولم تكن الفتوى على منع التعليم في هذه الجامعات؛ لأن الأساتذة ليسوا مسلمين، أو ليسوا صالحين، أو ليسوا سلفيين! بل كانت الفتوى- ولا تزال- على أن من تيسر له بديل مناسب فلا ينبغي أن يزج بنفسه في هذه الأجواء الملوثة!
أما إذا تعينت سبيلًا إلى طلب علمٍ نافع في أي مجال من المجالات الحياتية- وقد علمت أن تعلم أصول الحِرَف من فروض الكفايات- فلا حرج على الالتحاق بهذه الجامعات، ويكون فرضه أن يتقي الله فيها ما استطاع، فيغض طرفه عن الحرام ما استطاع، ويلتمس له فيها رفقة صالحة ما استطاع، ويدعو فيها إلى الله ما استطاع، ويوسع رقعة الخير ما استطاع، ويضيق رقعة الفساد ما استطاع؛ إذ الأصل هو إقامة المصالح الكلية، وإن اعترض في طريقها بعض المناكر الجزئية.
ولعلك تعلم- أيها الموفق- أن الدعوة السلفية قد نمت وترعرعت في أوساط هذه الجامعات الموبوءة والمأزومة، وجُل قيادات هذا المنهج المبارك في مصر وغيرها من البلاد المماثلة تخرجوا في كليات الطب والهندسة ونحوها في هذه الجامعات المختلطة! وكان وجودهم فيها خيرًا وبركة، فكانوا وكلاء عن الأمة في المحافظة على ما بقي من دينها وتنميته، واستنقاذ ما يمكن استنقاذه من أجيالها الناشئة وتزكيتهم، ولم يكونوا وكلاء عن الجاهلية العلمانية في إشاعة الفساد والترويج للفاحشة، ولك أن تتخيل الكارثة التي كان من الممكن أن تصيب الأمة في مقتل لو امتنع خيرة شبابها عن ارتياد هذه المواقع وحمل مشاعل الهداية إليها! إذن لحكمنا بالتجهيل على هذا الجيل الواعد من خيرة شباب هذه الأمة من ناحية، ولقضينا على بقية الخير الباقية في هذه المؤسسات المنكوبة من ناحية أخرى.
وصفوة القول- أيها الموفق- في قضيتك ما يلي:
– إن كان في مقدروك أن تمنع الفساد بالكلية على النحو الذي تريد فبادر إلى ذلك ولا تتردد. والله يسددك ويمدك بمدد من عنده.
– إذا لم يتيسر منع الفساد بالكلية فامنع منه ما استطعت، وضيِّق رقعته ما استطعت.
– ولتكن لك في ذلك نية صالحة، بأن تكون لك أجندة دعوية مناسبة تشارك بها في استفاضة البلاغ بحقائق الإسلام عقائد وشرائع، من خلال وجودك في هذا المجال المفصلي الحيوي، الذي قد عَلِمَ القاصي والداني أثرَه في واقعنا المعاصر.
والله المستعان وعليه التكلان، لا سيما وأنك تؤجر مساحة للعمل في مجال مشروع بأصله، ومن يستأجرها يتحمل تبعتها إن شابها منكر ويبوء بإثمها، والوزر إن وجد إنما يتعلق بذمته ولا يتعلق بك، إلا إذا أعنته على ذلك الإثم إعانة مقصودة أو مباشرة، وهو لا يتحقق في هذه الصورة. والله تعالى أعلى وأعلم.