أجمعُ بعضَ الشباب- تتراوح أعمارهم بين ثلاث عشرة إلى ست عشرة سنة- يومًا في كل أسبوع لأُعطيهم درسًا إسلاميًّا منذ مدة طويلة في مبنى مسجد، وهذا الدرس مهمٌّ لجمع هؤلاء الشباب في بيئة إسلاميَّة لتعلُّم دينهم؛ لأن باقيَ أيَّامهم يقضونها في مدارسَ غير إسلاميَّة مملوءة بالفتن.
السُّؤال: بعضُ هؤلاء الشباب مُرْدان، وأجد ميلًا إليهم، فهل يجوز لي مواصلةُ هذا الدرس إذا اجتنبتُ الخلوةَ بأحدهم؛ لكي لا ينقطع الخير عن الشباب الآخرين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأُذكِّرك يا بني ببعض ما ورد عن السلف من خطورة النَّظَر إلى الـمُرْدان والتعلُّق بهم، لتعلم أن الأمرَ جِد جسيمٍ، لقد كانوا يقولون:
«إن مَن صحب الأَحداثَ وقع في الإحداث»(1).
وقال بعضُ التَّابعين: «ما أنا بأخوفَ من السَّبُع الضاري على الشابِّ النَّاسك من غلامٍ أمرد يجلس إليه»(2).
ورُوي عن سعيدِ بن المُسيَّب أنه قال: «إذا رأيتَ الرَّجُلَ يلحُّ النَّظَر إلى الغلام فاتَّهموه»(3).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقال بعضُهم: ما سقط عبدٌ من عين الله إلا ابتلاه بصحبةِ هؤلاء الأحداث»(4).
فاحفظ نظرك يا بني، وذكِّر نفسك يا بني دائمًا بقول الله ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: 30] فبدأ بالغضِّ قبل حِفظ الفرج؛ لأن البصرَ هو الباب الأكبر إلى القلب وأهم طرق الحواس إليه، فبه يتأجَّج لهيب الشهوة في القلب، مما قد ينزع بصاحبه إلى ما حرَّمه الله.
وإنني بهذا التحذير لا أزهِّدك في تدريس العلم، وإنما أُنبِّهك إلى خطورة هذه الفتنة، ومن استعصم بالله عصمه، ومن يستعفف يُعِفُّه اللهُ، ولكن إذا رأيتَ الأمرَ يذكو لهيبه ويتطاير شرره فلا شيء يعدل السَّلامة، فإن دَرْءَ المفاسد مُقدَّمٌ على جَلْب المصالح. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) ذكره ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» ص337 من قول أبي منصور بن عبد القادر بن طاهر.
(2) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/358) حديث (5396).
(3) ذكره ابن الجوزي في «ذم الهوى» ص108.
(4) «مجموع الفتاوى» (11/545).