رسالة من شيخي الجليل، هذه رسالة أكتبها نيابة عن شيخي الجليل الذي فكَّ الله أسره، ونصُّها كما يلي:
نصحني أخ فاضل أن أستنصحك، فانصحني:
أنا أزهري حاصل على العالمية في الشريعة، فأنا لا أسأل عن حكم شرعي، ولكن أسألك نصيحة أخ أكبر وعالم فاضل.
لقد فك الله أسري بعد قضاء قرابة العشرين عامًا لكفري بالطاغوت ودعوتي ومطالبتي للحكم بشريعة الله وإقامة الدين وأن تعود مصر إسلامية. هذه كانت الجريمة.
أما المصيبة التي أحمد الله عليها وأسأل النصح: كيف كُنتَ ستتعامل معها لو كُنتَ مكاني عفا الله عنك؟ المصيبة: أخواتي بعد أن فك الله أسري رأيت منهم وكأنهم يتمنون لو لم أُحرَّر قط، فكيف أصل الرحم مع زهدهم الشديد عني وتمنيهم عدم رؤيتي؟
وبالمناسبة العشرون عامًا لا تساوي شيئًا أمام هذا الموقف، والسجن أحب إليَّ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فحمدًا لله على سلامتك، وهنيئًا لك ما أحسن الله به إليك إذ أخرجك من السجن، وأسأل الله جل وعلا أن يُتم نعمته عليك بأن يشرح لك صدور أخواتك، وأن يرزقهم برَّك وصلتك، وما ذلك على الله بعزيز.
أما أنت أيها الموفق فأرجو أن يكون الله جل وعلا قد فتح لك بذلك بابًا جديدًا من أبواب العبودية لتُكتب بذلك في عداد الصابرين ابتداء ودوامًا، وما كان لمثلي أن ينصح مثلك، ولكننا نتذاكر جميعًا تذاكر الأحباب، وإن كنا لم نلتقِ من قبل.
فابذل ما استطعت في تألُّف قلوبهم، وفي صلتهم وإن عقُّوك وقطعوا رحمك، ولابد أن ينتصر الخير في النهاية، ستأتي اللحظة التي يشعرون فيها بجنايتهم على أخيهم وجريرتهم تُجاهه، وإن لم يحدث ذلك في هذه الحياة فحسبك أنك قد استفرغتَ وُسعك وبذلت جهدك، وأنك تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال لك من الله عليهم ظهير ما دمت على ذلك.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ النبيَّ ﷺ، فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني، وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إليَّ، ويجهلون عليَّ وأحلم عنهم. قال: «لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ كَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْـمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ الله ظَهِيرٌ عَلَيهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ»(1).
قال النوويُّ: «كأنما تُطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيهٌ لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم»(2).
جبر الله كسرك، وطيب الله خاطرك، وبدَّل عسرك يسرًا. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه مسلم في كتاب «البر والصلة والآداب» باب «صلة الرحم وتحريم قطيعتها» حديث (2558).
(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (16/115).