ما الآيات والأدعية التي تحمي من العين والحسد؟ وهل قراءة سورة البقرة لمدة معينة خوفًا من الحسد والعين إذا خاف الشخص من أن يكون محسودًا، بدعة؟ أو إذا شعر بأن أموره معكرة, مثل الوظيفة، أو الزواج، كنوع من التحصين من العين والحسد، تكون قراءتها بدعة؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن المشروع إذا رأى الإنسان ما يُعجبه مِن مالِه أو ولده أن يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله. قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ [الكهف: 39] وإذا رأى ما يعجبه من مال غيره أو ولده أن يقول: ما شاء الله تبارك الله. أو يَذكر الله عُمومًا ليذهب ما في نفسه، وذلك لقول النبي ﷺ لعامر بن ربيعة رضي الله عنه : «هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟»(1). وفي رواية: «أَلَا بَرَّكْتَ؟ إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ»(2).
أما إذا وقع الضرر أو الأذى بالعين أو الحسد فإنه يعالج بما يلي:
أولًا: العلاج بالاغتسال إذا عُرف العائن وحُدد:
وأخرج مالك، عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: رأى عامر بن ربيعة سهلَ بن حنيف يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم، ولا جلدَ مخبَّأةٍ. فلُبِطَ سهلٌ. فأُتي رسول الله ﷺ فقيل: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف، والله ما يرفع رأسه. فقال: «هَلْ تَتَّهِمُونَ لَهُ أَحَدًا؟» قالوا: نتهم عامرَ بن ربيعة. قال: فدعا رسول الله ﷺ عامرًا فتغيَّظ عليه وقال: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! أَلَا بَرَّكْتَ؟! اغْتَسِلْ لَهُ». فغسل عامرٌ وجهَه ويديَه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلةَ إزاره في قدحٍ ثم صُبَّ عليه، فراح سهل مع الناس ليس به بأسٌ(3).
وفي رواية: ««إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ، تَوَضَّأْ لَهُ». فَتَوَضَّأَ لَهُ(4).
وعن ابن عباس ب: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، فَإِذَا اسْتُغْسِلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْتَسِلْ»(5).
والراجح أن حكم هذا الغسل الوجوب؛ إذ الأصل في الأمر أنه للوجوب ما لم يصرفه صارف.
قال ابن عبد البر في شرحه لحديث مالك السابق: «وفيه أن العائن يؤمر بالاغتسال للذي عانَه، ويجبر– عندي– على ذلك إن أباه؛ لأن الأمر حقيقته الوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه، ولا يضره هو، ولاسيما إذا كان بسبب، وكان الجاني عليه، فواجب على العائن الغسل، والله أعلم»(6).
وقال الحافظ ابن حجر في شرح قوله ﷺ: «وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْتَسِلُوا»: «وهي أمر العائن بالاغتسال عند طلب المعيون منه ذلك، ففيها إشارة إلى أن الاغتسال لذلك كان معلومًا بينهم، فأمرهم ألا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك، وظاهر الأمر الوجوب، وحكى المازري فيه خلافًا، وصحح الوجوب، وقال: متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين، وقد تقرر أنه يجبر على بذل ذلك الطعام للمضطر، وهذا أولى»(7).
أما حكمة هذا الغسل فكما قال ابن القيم: «فاعلم أن ترياق سم الحية في لحمها، وأن علاج تأثير النفس الغضبية في تسكين غضبها وإطفاء ناره بوضع يدك عليه والمسح عليه وتسكين غضبه، وذلك بمنزلة رجل معه شعلة من نار، وقد أراد أن يقذفك بها، فصببت عليها الماء، وهي في يده حتى طفئت، وذلك أمر العائن أن يقول: اللهم بارك عليه. ليدفع تلك الكيفية الخبيثة بالدعاء الذي هو إحسان إلى المعين، فإن دواء الشيء بضده، ولما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد، لأنها تطلب النفوذ فلا تجد أرق من المغابن وداخلة الإزار، ولاسيما إن كان كناية عن الفرج، فإذا غسلت بالماء بطل تأثيرها وعملها، وأيضًا فهذه المواضع للأرواح الشيطانية بها اختصاص، والمقصود أن غسلها بالماء يطفئ تلك النارية، ويذهب بتلك السمية، وفيه أمر آخر، وهو وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها تنفيذًا»(8).
ثانيًا: العلاج بالرقى والتعاويذ النبوية:
إذا لم يعرف العائن، ولم يتمكن المعيون ولا غيره من تحديده وتعيينه، يعالج المعين بالرقى والتعاويذ النبوية، فهي أنجع علاج وأفضل دواء لذلك.لقد أمر النبي ﷺ بالاسترقاء من العين، فقد صحَّ عن عائشة ل أنها قالت: «أَمَرَنِي النَّبِيُّ ﷺ- أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ»(9).
وصح عن أم سلمة ل أن النبي ﷺ رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعة(10)، فقال: «اسْتَرْقُوا لَـهَا؛ فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ»(11).
وعن أسماء بنت عميس ل قالت: يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: «نَعَمْ»(12).
ومن الرقى النافعة بجانب ما سبق ذكره في التحرز من العين ما يأتي: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»(13).
رقية جبريل لرسول الله ﷺ: «بِاسْمِ الله أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ دَاءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ، بِاسْمِ الله أَرْقِيكَ»(14).
اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحَصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
تَحَصَّنْتُ بِالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَهي وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاعْتَصَمْتُ بِرَبِّي وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَوَكَّلْتُ عَلَى الحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَاسْتَدْفَعْتُ الشَّرَّ بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، حَسْبِيَ الرَّبُّ مِنَ الْعِبَادِ، حَسْبِيَ الْـخَالِقُ مِنَ الْـمَخْلُوقِ، حَسْبِيَ الرَّازِقُ مِنَ الْـمَرْزُوقِ، حَسْبِيَ اللهُ هُوَ حَسْبِي، حَسْبِيَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ، حَسْبِيَ اللهُ وَكَفَى، سَمِعَ اللهُ لِـمَنْ دَعَا، وَلَيْسَ وَرَاءَ الله مَرْمًى، حَسْبِيَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(15).
وبالجملة فيجوز الاسترقاء بما سوى ذلك إذا توفرت في الرقية هذه الشروط: إذا خلت من الشرك، وكانت باللسان العربي، وكانت بكلام معلوم مفهوم.
ثالثًا: النشرة:
والنشرة: حل السحر عن المسحور. وهي كما قال ابن القيم نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن: فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحبُّ فيبطل عمله عن المسحور. والثاني: النشرة بالرقية، والتعوذات، وأدوية مباحة. فهذا جائز(16).
ومما جاء في صفة النشرة الجائزة ما روى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تعالى، تُقرأ في إناء فيه ماء، ثم يصب على رأس المسحور، الآية التي في سورة يونس: ﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس: 81، 82] ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 118- 121]، وقوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه: 69](17).
وفي كتاب وهب بن منبه: أن يأخذ سبعَ ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين، ثم يضربه بالماء، ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل(18)، ثم يحسُوا منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به، يذهب عنه كل ما به. وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله(19).
وقال: ومن الرقى التي تردُّ العينَ ما ذُكر عن أبي عبدالله الساجي أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فارهة، وكان في الرفقة رجل عائن قلَّما نظر إلى شيء إلا أتلفه، فقيل لأبي عبدالله: احفظ ناقتك من العائن. فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل، فأخبر العائن بقوله، فتحين غيبة أبي عبدالله فجاء إلى رحله فنظر إلى الناقة فاضطربت وسقطت، فجاء أبو عبدالله فأخبر أن العائن قد عانها، وهي كما ترى، فقال: دلوني عليه. فدُل، فوقف عليه وقال: «باسم الله، حبس حابس، وحجر يابس، وشهاب قابس، رددت عين العائن عليه وعلى أحب الناس إليه، ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ [الملك: 3، 4] فخرجت حدقتا العائن، وقامت الناقة لا بأس بها(20).
وللإنسان إذا شعر أنه معيون أو محسود أن يتحصن بالأدعية المشروعة، وليس في ذلك شيء من الابتداع، بل هو من الذكر المشروع. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (3/486) حديث (16023) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه ، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/107) وقال: «رجال أحمد رجال الصحيح».
(2) أخرجه مالك في «موطئه» (2/938) حديث (1678)، والحاكم في «مستدركه» (3/465) حديث (5742)، والنسائي في «الكبرى» (4/380) حديث (7616) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2572).
(3) أخرجه مالك في «موطئه» (2/939) حديث (1679)، وأحمد في «مسنده» (3/486) حديث (16023)، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/107) وقال: «رجال أحمد رجال الصحيح». واللفظ لمالك.
قال الحاكم: «والغسل أن يُؤتى بقدح فيه ماء فيدخل يديه في القدح جميعًا ويهريق على وجهه من القدح، ثم يغسل فيه يدَه اليمنى ويغتسل من فيه في القدح، ويدخل يده فيغسل ظهره، ثم يأخذ بيده اليسار فيفعل مثل ذلك، ثم يغسل صدره في القدح، ثم يغسل ركبته اليمنى في القدح وأطراف أصابعه، ويفعل ذلك بالرجل اليسرى، ويدخل داخل إزاره، ثم يغطي القدح قبل أن يضعه على الأرض فيحثو منه ويتمضمض ويهريق على وجهه، ثم يصب على رأسه ثم يلقي القدح من ورائه. «المستدرك» (3/464).
(4) أخرجه مالك في «موطئه» (2/938) حديث (1678) من حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه ، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» حديث (2572).
(5) أخرجه مسلم في كتاب «السلام» باب «الطب والمرض والرقى» حديث (2188) من حديث عبد الله بن عباس ب.
(6) «التمهيد» لابن عبد البر (6/241).
(7) «فتح الباري» (10/204).
(8) «زاد المعاد» (4/171).
(9) أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «رقية العين» حديث (5738).
(10) السفعة لها معان عدة، وكلها تدور حول هذا المعنى: «لون يخالف لون الوجه».
(11) أخرجه البخاري في كتاب «الطب» باب «رقية العين» حديث (5739).
(12) أخرجه أحمد في «مسنده» (6/438) حديث (27510)، والترمذي في كتاب «الطب» باب «ما جاء في الرقية من العين» حديث (2059)، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني في «مشكاة المصابيح» حديث (4560).
(13) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «المرضى» باب «دعاء العائد للمريض» حديث (5675)، ومسلم في كتاب «السلام» باب «استحباب رقية المريض» حديث (2191) من حديث عائشة ل.
(14) أخرجه مسلم في كتاب «السلام» باب «الطب والمرضى والرقى» حديث (2186) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
(15) ذكر هذه الأدعية ابن القيم في «زاد المعاد» (4/169- 170) وقال: «ومن جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة الحاجة إليها، وهي تمنع وصول أثر العائن وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها وقوة نفسه واستعداده وقوة توكله وثبات قلبه فإنها سلاح والسلاح بضاربه».
(16) «إعلام الموقعين» (4/396).
(17) أخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/1974) حديث (10514).
(18) يريد: «قل يأيها الكافرون» و«قل هو الله أحد» و «قل أعوذ برب الفلق» و«قل أعوذ برب الناس».
(19) ذكره عبد الرزاق في «مصنفه» (11/13).
(20) انظر «زاد المعاد» (4/174).