عندي محل لبيع الـمِسك، وقام الشَّخص الذي يبيع في محلي بالسرقة، فقال لي والدي: اعف عنه. وفعلًا صفحت عنه، وتوفي والدي : بعد ذلك، وقام هذا الشَّخص بالسرقة مرة أخرى، فقررت فصله، فقام بالتشهير بأهل بيتي وقذف زوجتي وابنتي؛ لكي يخرج هو صاحب حق ويقول: «صاحب هذا المحل مش تمام ويداري أمر سرقته، فوكلت محاميًا، وسوف يأخذ هذا الشَّخص حكمٌ بالسجن، فلما علمت أسرته جاء أبوه وأمه يسترضونني، فقلت لهم: اسئلا ابنكما ماذا فعل؟ وهم لا يدرون ما فعل، أهم شيء عندهم ألا يسجن، فقلت لهم: أنتما لم تربياه.
وجاء لي بعد ذلك أخواله وأعمامه يسترضونني، مع العلم أن هذا الشَّخص لم يعتذر، وخرج من محلي وهو يتكلم بأسلوب سيء، وأنا والله يا دكتور صلاح حتى لو صفحت عنه لن يشفي صدري لما قاله عن أهلي، وهو أعظم عندي من السرقة، وهو أيضًا لم يُبد أي ندم أو اعتذار، وإني والله أراه مفسدًا في الأرض، فما رأي فضيلتكم يا دكتور صلاح؟ وإني أريد أن أفعل ما يرضي الله، وما سوف تقولونه سوف ألتزم به. فبرجاء سرعة الإجابة كي أتصرف التَّصرُّف الشَّرعي في هذا الموقف، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فاعلم أيها الموفق أن من كظَم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة(1)، وأنه ما تجرع عبد جرعة أعظم أجرًا من جرعة غيظ كظمها ابتغاءَ وجه الله تعالى(2)، وقد مدح ربك في كتابه الكاظمين الغيظ والعافين عن النَّاس(3)، وبيَّن أن من عفا وأصلح فأجره على الله(4)، ويوم القيامة ينادى: أين الذين على الرحمن أجرهم؟ فلا يقوم سوى العافي عن النَّاس.
ومن ناحية أخرى فينبغي أن يردع المفسدون في الأرض، وعلى هذا فأرى أن تواجه أبويه وأقاربه بما فعل، وأن تشترط عليهم أن يأتي معتذرًا، وأنه إن فعل نظرت في العفو عنه، ولكل حادث حديث بإذن الله. والله تعالى أعلى وأعلم.
_________________
(1) فقد أخرج الروياني في «مسنده» (2/291) حديث (1232) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ قال: ««مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُمْضِيَهُ مَلَأَ اللهُ جَوْفَهُ الرِّضَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»».
وأخرج أحمد في «مسنده» (3/440) حديث (15675)، وأبو داود في كتاب «الأدب» باب «من كظم غيظًا» حديث (4777)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «في كظم الغيظ» حديث (2021)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «الحلم» حديث (4186) من حديث معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُءُوسِ الْـخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْـحُورِ شَاءَ». وقال الترمذي: «حديث حسن».
(2) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (2/128) حديث (6116)، وابن ماجه في كتاب «الزهد» باب «الحلم» حديث (4189) من حديث ابن عمر ب قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا تَجَرَّعَ عَبْدٌ جَرْعَةً أَفْضَلَ عِنْدَ الله عز و جل مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ الله تَعَالَى»، وذكره الكناني في «مصباح الزجاجة» (4/233) وقال: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات».
(3) قال تعالى:﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133، 134]
(4) قال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40]