لي ثلاث أخوات وأخ من أبي، وكان أبي يملك قطعة أرض هو وأمي بالنصف، وقبل وفاته بخمس عشرة سنة كان عمري الخامسة تقريبًا، وكان عمرهم فوق الخامسة والعشرين، كتب أبي وأمي قطعة الأرض باسمي بيعًا وشراء، ولم يعترض أحد منهم، وبعد وفاته قالوا: سامحنا أبانا. ولم يطلبوا شيئًا مني أو من أمي، بل أخذوا نصيبهم من كل شيء كان أبي يملكه، وبعدها بعدة أشهر فتح موضوع الأرض، فأخبرت أخي الأكبر وكان عمره الأربعين أن يأخذوا نصيبي ويسامحوا أبي إذا كان ظلمهم، فكان رده: «آخذ إيه، أنا أزوده ليكو من سنة بعت الأرض وقبضت الثمن وأنفقت منه».
ومنذ أسبوعين أخبروني بأنهم قد فُسر لهم رؤيا بأن أبي يعذب في القبر لأنه لم يعدل بيننا في قسمة الأرض، وأن أمي عليها وزر، وأنا أيضًا؛ لأننا رضينا بالظلم، وأنهم سامحوا أبي ولكن لن يسامحوني أنا وأمي. وأخبرتهم أنني على أتم الاستعداد أن أعطيهم نصيبهم حتى يرفع عن أبي العذاب.
وقد أفتى لي بعض الشيوخ حيث إنهم تكلموا الآن فقط، فيقدر ثمن الأرض السنة التي توفي فيها أبي وتقسم كميراث وعليك إعطاؤهم نصيبهم، ولكنهم لم يرضوا بهذا وقالوا: إنهم غير مسامحين أبي على تقسيم المال الذي بيعت به الأرض حسب الميراث. فهل علينا إثم؟ وكيف أرفعه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فكم كنت أرجو ألا تفسد الدنيا العلائق بين ذوي القربى، فما عند الله خير وأبقى(1)، ولكن الشيطان الذي يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب لا يألو جهدًا في التحريش فيما بينهم(2).
وقصة الرؤيا وما أعقبها من تردد بين إعلان الصفح أولًا ثم التراجع التدريجي، الذي بلغ قمته بقولهم: إنهم لن يسامحوا أباهم ولن يسامحوك، يعكس تحريش الشيطان بين ذوي الأرحام وسعيه لتقطيع الأواصر بينهم.
وما دمت بارًّا بأبيك وتسعى إلى تبرئة ذمته فاسترضهم على النحو الذي تطيب به نفوسهم، إبقاء على العلائق بينك وبينهم، وصلة للوالد وبرًّا به في مرقده، وترضيتهم تكون على أساس الثمن الذي بيعت به الأرض وليس على أساس قيمتها يوم موت الوالد، ومن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه(3).
ونسأل الله أن يزيدك برًّا بوالدك، وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.
___________________
(1) قال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [القصص: 60]
(2) ففي الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب «صفة القيامة والجنة والنار» باب «تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس» حديث (2812) من حديث جابر بن عبد الله ب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْـمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ».
(3) أخرجه أحمد في «مسنده» (5/ 78) حديث (20758)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 178) حديث (1135)، من حديث يزيد بن عبد الله بن الشخير عن رجل من الصحابة بلفظ: «إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا اتِّقَاءَ الله جَلَّ وَعَزَّ إِلَّا أَعْطَاكَ خَيْرًا مِنْهُ»، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 269) وقال: «رواه كله أحمد بأسانيد ورجالها رجال الصحيح».