رجل له أربعة أولاد، الأوسط منهم عمل مع أبيه ليساعده في تعليم إخوته وحُرِم هو من التعليم، وتعلَّم إخوتـه وعمل كل منهم، وبنى لهم والدهم بيتًا لكل منهم فيه شقة، وأراد أحدهم أن يترك البيت ويسكن في شقـة أخرى، وبالفعل أسكنه أبوه في شقة أخرى، وأحب الأب أن يكتب الشقة الأخرى للولد الذى يعمل معه ويساعده، ولكن باقي الإخوة رفضوا ذلك، فلما ذكَّرهم أبوهم بأن أخاهم ترك التعليم ليساعده في تعليمهم وافقوا على مضض، فهل يجوز أن يكتب الوالد لهذا الولد الأوسط هذه الشقة عوضًا له عن حرمانه من التعليم من أجل إخوته، أرجو الإجابة بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن الأصل هو التسوية بين الأولاد في العطية؛ لقوله ﷺ: «اتَّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ»(1). ولا يجوز التمييز إلا لسبب يقتضيه مثل العاهات المانعة من التكسب؛ كالزَّمانة، والعمى، والشلل وكذلك العجز عن التكسب، أو إذا كان ذلك لتحقيق العدل بينهم، قال ابن قدامة: «فإن خصَّ بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه، مثل اختصاصه بحاجة أو زمانـة أو عمى، أو كثرة عائلة، أواشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه، أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعضهم بالوقف: لا بأس به إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه فلا مانع من ذلك»(2).
والذي يظهر أنه إذا كان قد حَرم هذا الابن من التعليم خصيصًا ليساعده في تعليم إخوته، وقد تعلَّم إخوته وأفادوا من هذا التعليم مالًا وجاهًا، فإن من العدل أن يخصَّه بشيء مقابل هذا الحرمان، وينبغي لإخوته أن يتفهَّموا ذلك، وينبغي عليه أن يُطيِّب نفوسهم وأن يبيِّن لهم أنه ما فعل ذلك تفضيلًا له، بل محاولة للسعي لإقامة العدل بينهم. والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________________
(1) متفق عليه.
(2) «المغني» (6/298).