هل يجوز التَّصرُّف في أرض بالبيع أو البناء عليها للسكن… إلخ، وهي ميراثٌ من جَدِّي أو والده الذي اشتراها من أمواله التي كان يتعامل فيها بالرِّبا، أي يعطي النَّاس مقابل إعادة المال مع الرِّبا، ثم ورثها أبي عنه؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن فوائد البنوك من الرِّبا المحرم قطعًا، والمال الحرام لا يطيب للورثة على الصَّحيح، بل يجب عليهم ردُّه إلى مالكه، فإن لم يتيسَّر وجب التخلُّص منه بإنفاقه في سبل الخير والمصالح العامة.
فما آل إلى الورثة من هذا النَّوع من الأموال لا حقَّ لهم فيه؛ إذ هو ليس من التَّركة؛ لأنه مالٌ عُلمت حرمته، فوجب اجتنابه، وعليهم التخلُّص منه ببذله في أوجه الخير العامة كما سبق.
فإذا كان الورثة فقراء فهم كغيرهم من النَّاس في إمكان الانتفاع بهذه الفوائد؛ لأنهم لم يكتسبوها بأنفسهم، فكانوا كغيرهم من أهل استحقاقها.
فإن كانوا من ذوي الحاجات أُعطوا من هذا المال بقدر حاجاتهم، لا بحسب أنصبتهم في الميراث؛ لأنه ليس ميراثًا ولا شبيهًا بالميراث، ويُوزَّع المتبقي منه على أهل الاستحقاق كذلك.
وعلى ذلك، فإن تيسَّر لكم معرفة رأس المال الأصلي وتمييزه عن الفوائد الربويَّة، فالتركة التي تُقسم على الورثة من هذا المال هي رأس المال، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 279]
وأما الفوائد فقد عرفتم حكمها، فإذا لم يُمكنكم تمييزُ ذلك فأخرِجوا قدرَ الحرام بالاجتهاد، فإن خفي الأمر تمامًا فلا بأس أن تقسموا المال نصفين، فترثوا نصفه وتُخرجوا نصفه.
قال النووي في «المجموع»: «مَن ورث مالًا ولم يعلم من أين كسبه مُورِّثه أَمِن حلال أم من حرام؟ ولم تكن علامةٌ فهو حلال بإجماع العلماء، فإن علم أن فيه حرامًا وشكَّ في قدره أخرج قدر الحرام بالاجتهاد»(1). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في «مجموع الفتاوى»: «أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربًا فيُخرجه، إما أن يَرُدَّه إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدَّق به، والباقي لا يَحرُم عليه، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كلٍّ منهما جعل ذلك نصفين»(2). اهـ.
زادكم الله هدى وتقًى وعفافًا وغنًى. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
____________________
(1) «المجموع» (9/332).
(2) «مجموع الفتاوى» (29/307).