شيخي الحبيب، جزاك الله خيرًا. لي سؤال: يا شيخنا سمعتُ فتوى للشيخ ابن العثيمين : ورفع الله درجته وجزاه الله خيرَ الجزاء: سأله أحدهم أنه يُصلِّي خلف جماعةٍ من النَّاس يَرَون أنه يجوز في الرَّكْعة الأخيرة من الصَّلاة ويُجزئ قولُ بعض الأذكار؟ فأجاب الشَّيخ بأنه تجوز الصَّلاة خلف مثل هؤلاء والصَّلاة خلفهم صحيحة؛ لأن الصَّلاةَ خلف من يُخالفك في أمرٍ من الفروع صحيحةٌ ولو كان يرتكب ما تراه خطًا، فإنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد التي لا تُخالف نصًّا صريحًا لا يحتمل التَّأويل، ولكن إذا وجدتَ شخصًا يقرأ الفاتحة في الأربع ركعات فالأولى أن تُصلِّي خلفه.
وقال الشَّيخ بأن ما ذهبوا إليه من أنه يُجزئهم عن قراءة الفاتحة في الرَّكْعة الأخيرة قراءةُ بعض الأذكار، قال الشَّيخ: هذا لا أعلم له دليلًا من السُّنَّة، وإن السُّنَّة تدلُّ على أنه لابُدَّ من قراءة الفاتحة في كلِّ رَكْعة.
واستدل الشَّيخ : بحديث المسيء في صلاته؛ فقد قال له النَّبيُّ : «تقرأ الفاتحة وتفعل ذلك في صلاتك كلها» أو كما قال ، ومن بينها قراءة الفاتحة.
فالفاتحة كما هي واجبةٌ في أول رَكْعة فهي أيضًا واجبة في كلِّ الرَّكعات، فيا شيخ أنا أعلم أن العُلَماء اختلفوا في قراءة الفاتحة بالنِّسبة للمأموم على ثلاثة أقوال على حدِّ علمي الضئيل: فمنهم من أوجبها كما ذهب إليه الشَّافعيُّ :(1)، ومنهم من قال بعدم وجوبها كما قال الإمام أبو حنيفة : (2) سواءٌ في السِّرِّيَّة أو الجهريَّة، ومنهم من قال باستحبابها كما هو رأي الجمهور(3).
أرجو التعليق على كلامي هذا إذا كنتُ نقلتُ الكلام خطًا أو فهمته خطًا.
أما بالنِّسبة للإمام فهل يجوز ألا يقرأ الفاتحة؟ وماذا لو فعل والمأموم قرأ الفاتحة سواء يعلم أو لا؟
_________
(1) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/280-285): «وقراءة الفاتحة للقادر عليها فرض من فروض الصلاة وركن من أركانها ومتعينة لا يقوم مقامها ترجمتها بغير العربية ولا قراءة غيرها من القرآن، ويستوي في تعينها جميع الصلوات فرضها ونفلها، جهرها وسرها، والرجل والمرأة، والمسافر والصبي، والقائم والقاعد والمضطجع، وفي حال شدة الخوف وغيرها، سواء في تعينها الإمام والمأموم والمنفرد».
(2) جاء في «تبيين الحقائق» من كتب الحنفية (1/131-132): «قال رحمه الله: ولا يقرأ المؤتم بل يستمع وينصت…..لأن المأموم مخاطب بالاستماع إجماعا فلا يجب عليه ما ينافيه إذ لا قدرة له على الجمع بينهما».
(3) جاء في «التاج والإكليل» من كتب المالكية (2/238-240): «ابن عرفة: ثالث الأقوال وهو المشهور استحباب قراءة الفاتحة في السرية».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فإن الصَّحيحَ المُعتبر عند جماهير أهل العِلْم(1) أن قراءةَ الفاتحة في الصَّلاة للإمام والمُنْفَرِد من أركان الصَّلاة، وليس لأحدٍ أن يقصد إلى الائتمام بمن لا يرى وجوبَ ذلك، ولكن إن حدث هذا وكان الإمامُ مجتهدًا في ذلك اجتهادًا خاطئًا، أو مقلدًا في ذلك لبعض من يعتقد صوابه من المنتسبين إلى العِلْم، فالأظهر هو القولُ بصِحَّة صلاة المأموم، مع بذل النَّصيحة للإمام، وتحرِّي الصَّلاة خلف من لا يرون ذلك فيما يستقبلون من صلوات. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــ
(1) جاء في «المبسوط» من كتب الحنفية (1/199-200 ): «القراءة ركن من أركان الصلاة».