حياك الله فضيلة الشيخ، الله لا يهينك، ما حكم تخفيف اللحية بشكل عام وليس بحد القبضة؟ حيث إنني سمعت أن أحدَ الأئمة الأربعة يفتي بجواز ذلك. وجزاك الله كل خير. محبكم.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن الأصل هو إعفاء اللحية إلا إذا تفاحشت، فيأخذ منها ما يُزيل هذا التفاحش، ويبقى ما عدا ذلك على أصل الإعفاء، فإعفاء اللحية يحتمل أن يكون بمعنى التوفير الحسن بحيث تكون كالوفرة عفوة حسنة، كما يطابق ذلك بعض الروايات الواردة بلفظ: «أَكْرِمُوا اللِّحَى». وهو توفيرها توفيرًا حسنًا كما يتضح من معنى الإعفاء في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: 95]
وقد كان ابن عمر يقبض على لحيته فما زاد عن القبضة أخذه، وكان لا يخص ذلك بالنسك بل كما قال الحافظ ابن حجر: «والذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه»(1).
وقد يراد به أخذ العفو منها- أي ما زاد- من غير كلفة ولا إسراف، وهذه سنة التجمل، أي معنى الإعفاء: هو التوفير الحسن الذي يجعل اللحية مكتملة وجميلة مع أخذ العفو مما تفارق منها وشذ عن جماعة اللحية. وهذا المعنى لا يعارض توفير اللحية بمظهرٍ حسن، ولا يخرج القص منها عن دائرة التوفير، مما يجعلها هيبة وجمالًا للمرء.
ويستأنس للدلالة على أن الإعفاء بمعنى التوفير الحسن لا الشاذ ولا السيء قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: 95] أي بمعنى حتى كثروا ونموا نماءً حسنًا لا تكاثرًا مسرطنًا شاذًّا وسيئًا (حتى) للغاية، وقول الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199] أي خذ اليسير من غير تكلف حادٍّ ولا إسراف عظيم ولفائدةٍ تُرجى من كل شيء.
وقد ذكر الإمام الربيع بن حبيب رضي الله عنه  في «مسنده»(2)، باب: أدب المؤمن في نفسه والسنن؛ حيث يعقب على حديث الخدري وهو: «حفُّوا الشَّوَارِبَ وأَعْفُوا اللِّحَى» قائلًا ما نصه: «يريد القطع لما طال منهما».
أما ما روي من أنه صلى الله عليه وسلم  كان يأخذ من طول لحيته وعرضها لم يثبُت. والله تعالى أعلى وأعلم.

____________________

(1) «فتح الباري» (10/350).

(2) ص 276