يقول العُلَماء: «الإِسْبال في حقِّ الرجال مَنْهِيٌّ عنه مُطْلقـًا، وإنَّه في ذاته خُيَلاء، وإن الـمُسبِـل مرتكبٌ لِـمُحَرَّمٍ، مجاهـرٌ به، مُعَرِّضٌ نَفْسَهُ لمـا ورد من الوعيد للمُسبِلين».
ما هو ردُّ فضيلتكم على ذلك، خاصَّة لما نراه من شيوعه، ليس بين العامَّة فقط، بل بين أهل العِلْم، بل والعُلَماء؟ فما هو التبرير؟ أريد أن أفهم لأردَّ على السَّائلين، وهم كثرٌ. وجزاكم الله خيرَ الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فزادك اللهُ حرصًا وتوفيقًا، أما قولك بأن العُلَماء يقولون: «الإِسْبال في حقِّ الرجال مَنْهِيٌّ عنه مُطْلقـًا، وإنَّه في ذاته خُيَلاء، وإن الـمُسبِـل مرتكبٌ لِـمُحَرَّمٍ، مجاهـرٌ به، مُعَرِّضٌ نَفْسَهُ لمـا ورد من الوعيد للمسبلين» فهذا ليس موضعَ إجماعِ أهل العِلْم، بل قولُ فريقٍ منهم، وهم جمهورهم(1)؛ فإطلاق القول على هذا النَّحو موضعُ نظرٍ.
ويبقى أن في المسألة اجتهادًا آخر، وهو أن الإسبالَ الـمُحرَّم هو ما كان للخُيَلاء، وهو فقه الشَّافعية(2) في هذه المسألة، ويستدلُّون كما تعلم بقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ: «إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَجُرُّونَهُ خُيَلَاءَ»(3).
والأصل أن المسائل الاجتهاديَّة لا يُنكر فيها على المخالف، وإن كنا نُحِبُّ لأهل العِلْم أن يتجنَّبوا الإسبالَ أخذًا بالاحتياط وخروجًا من الخلاف. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_____________________________
(1) جاء في «المنتقى» من كتب المالكية (7/225-226): «وقوله صلى الله عليه وسلم : «الذي يجر ثوبه خيلاء» يقتضي تعلق هذا الحكم بمن جره خيلاء؛ أما من جرَّه لطول ثوبٍ لا يجد غيره أو عذرٍ من الأعذار فإنه لا يتناوله الوعيد».
وجاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/181-184): «(أما حكم المسألة) فمذهبنا أن السدل في الصلاة وفي غيرها سواء، فإن سدل للخيلاء فهو حرام، وإن كان لغير الخيلاء فمكروه وليس بحرام».
وجاء في «الفروع» من كتب الحنابلة (1/342-344): «(تنبيهٌ) ويحرم في الأصح إسبال ثيابه خيلاء في غير حربٍ بلا حاجةٍ نحو كونه خمش الساقين ، انتهى . الذي يظهر أنه يحرم فعله خيلاء ، ولو كان به حاجةٌ إلى الإسبال ، فقوله بلا حاجةٍ نحو كونه خمش الساقين- يعطي أنه لا يحرم، وليس الأمر كذلك ، وإنما المباح في هذه الصورة الإسبال فقط ، لا الإسبال مع الخيلاء ، ولعل التمثيل عائدٌ إلى الإسبال فقط ، فيزول الإشكال. والله أعلم».
(2) جاء في «المجموع» من كتب الشافعية (3/181-184): «(أما حكم المسألة) فمذهبنا أن السدل في الصلاة وفي غيرها سواء، فإن سدل للخيلاء فهو حرام، وإن كان لغير الخيلاء فمكروه وليس بحرام».
(3) أخرجه البخاري في كتاب «اللباس» باب «من جر إزاره من غير خيلاء» حديث (5784) من حديث ابن عمر رضي الله عنه .