ما حكم تأخير صلاة العشاء إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة مساء؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف أهلُ العلم في آخرِ وقتِ صلاة العشاء، فمنهم من جعله يمتدُّ إلى ثلث الليل أو نصفه، وتوسَّع آخرون فجعلوا الوقت يمتدُّ إلى قبيل دخول وقت الفجر، والجمع بينها أن وقت الفضيلة إلى ثلث الليل، ومن الثُّلُث إلى النصف دونه في الفضيلة، وما وراء ذلك وقت جواز.
وينبغي للمُكلَّف العمل بالأحوط خروجًا من الخلاف، فلا ينبغي تأخيرُها عن منتصف الليل، قال ابن قُدَامة في «المغني» وهو في معرض حديثه عن وقت صلاة العشاء: «والأَوْلى إن شاء الله تعالى ألا يُؤخِّرها عن ثلث الليل، وإن أخَّرها إلى نصف الليل جاز، وما بعد النصف وقتُ ضرورة، الحكم فيه حكم وقت الضَّرورة في صلاة العصر، على ما مـضى شرحُه وبيانه، ثم لا يزال الوقت ممتدًّا حتى يطلع الفجر الثَّاني»(1).
وقال النَّوَوي في «المجموع» وهو في معرض الحديث عن وقتها أيضًا: «والمختار ثلث الليل، فإذا ذهب وقت الاختيار بقي وقتُ الجواز إلى طلوع الفجر الثَّاني، هذا هو المذهب، نصَّ عليه الشَّافعيُّ وقطع به جمهورُ أصحابنا المتقدمين والمتأخرين»(2).
وقال الكاساني في «بدائع الصنائع»: «وأما آخرُ وقت العشاء فحين يطلع الفجر الصادق عندنا»(3).
وقال الطحاوي في «مشكل الآثار»- وهو حنفيٌّ أيضًا- بعد ذِكره الأحاديثَ الواردة في هذا المجال: «فثبت بتصحيح هذه الآثار أن أولَ وقت العِشاء الآخرة من حيث يغيب الشَّفق إلى أن يمضيَ الليلُ كلُّه، ولكنه على أوقاتٍ ثلاثة: فأما مِن حين يدخل وقتها إلى أن يـمضي ثلث الليل فأفضل وقت صُلِّيَتْ فيه، وأما مِن بعد ذلك إلى أن يتمَّ نصفُ الليل ففي الفضل دون ذلك، وأما بعد نصف الليل ففي الفضل دون كلِّ ما قبله»(4). واللهُ تعالى أعلى وأعلم.

ـــــــــــــــــــــــــ

(1) «المغني» (1/232).
(2) «المجموع» (3/42).
(3) «بدائع الصنائع» (1/124).
(4) جاء في «شرح معاني الآثار» للطحاوي، من كتب الحنفية (1/156-159): «بِتَصحِيحِ هَذِه».ِ