أنا لا أقصد التنقل بين المذاهب لأجل الهوى، ولكن ما تعلَّمناه من خلال دراستنا في الجامعة ومن مشايخنا أنه يجوز أن تتبع الرُّخصة في أي المذاهب المعتمدة، وللإيضاح أكثر: إن بلدي يتعبدون الله تعالى- وخاصة في مجال العبادات- على المذهب الشَّافعي؛ لأن علماءنا في أغلب الأحيان يُفتوننا على المذهب الشَّافعي، ولكن بعض الإخوة يسألونني- بحكم عملي ودراستي- ويقولون لي: إنهم يجدون صعوبة أنه كلما لمسنا زوجاتنا بأن نقوم ونتوضأ، فهل يجوز أن نتبع المذهبَ الحنفيَّ؟
فعندما رجعت إلى المذهب الحنفي فعلًا وجدت أنه لا ينقض الوضوء عندهم بمجرد اللمس، فكنت أفتيهم: نعم، يجوز أن تتبع المذهب الحنفي في قضية اللمس وأن تصلي بذلك الوضوء، وذلك من باب التَّيسير على نفسي أولًا وعليهم، فما رأيكم أطال الله عمركم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فلا يجوز أن تقصد تتبع الرخص بإطلاق على النَّحْو الذي جاء في صدر الرسالة، وقد قال سليمان التيمي: «إن أخذت برخصة كلِّ عالم اجتمع فيك الشرُّ كله»(1).
وقال أبو عمر ابن عبد البر: «هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا»(2).
وقال بعض العلماء: «من تتبع الرخص فقد تزندق».
وقال الإمام أحمد: «لو أن رجلًا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع (يعني الغناء)، وأهل مكة في المتعة كان فاسقًا»(3). ومقالات أهل العلم في ذلك مستفيضة.
ولكن إذا ضاق الأمر بالأمة في مذهب التمست السَّعة والمرونة في مذهب آخر وفق ما ترجحه الأَدِلَّة وتتحقق به المصلحة، ولهذا إذا كنْتَ تنتحلُ مذهبًا من المذاهب يميل إلى التشديد في قضية من القضايا الاجتهادية وأتاك مستفتٍ وقدَّرت أنه يُعنته العمل بمذهبك فإن لك أن تتنحى عن الفتيا وتحيله إلى المفتي الذي ينتحل المذهب الآخر، وإن كنت من طلبة العلم كما هو الظَّاهر من السُّؤال فمن المناسب أن تنتصب لبحث هذه المسألة التي وقع فيها الحرج، وسوف تجد لدى من وسَّع فيها من الفقه والأَدِلَّة ما قد يترجح لك معه مذهبه، فتُفتيه على علم منك بالمذهب، ومتابعة منك لأدلة إمامه، وليس لمجرد التقليد المحض. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_____________________________
(1) أخرجه علي بن الجعد في «مسنده» ص200 حديث (1319)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (3/32).
(2) انظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (3/179).
(3) انظر: «عون المعبود» للعظيم آبادي (13/187).