أنا أعمل إمامًا في أحد مساجد أمريكا، وقد أتى إليَّ شخص مشهود له بالصلاح، أتاني يعض أصابع الندم مما رأيت في وجهه من حسرة وألم، هذا الرَّجُل مُتزوِّج وزوجته امرأة ذات خلق ودين، ولا نزكيها على الله، وله ولدان، لكنه على حسب قوله زين له الشَّيطان فكان له اتصال مع أخت زوجته عن طريق الهاتف، ودار بينهم حديث جنسي وغيره من الأمور المحرمة والعياذ بالله، فقط على الهاتف، لم يحصل بينهم أي لقاء آخر.
قال لي بأنه بعد الحديث ندم ندمًا شديدًا، وتضرع إلى الله، وعاهد الله، ومن ضمن تلك المعاهدة قال: إن عدت إلى ذلك فزوجتي طالق. مرات عدة، ثم يعود إلى ذلك الذَّنْب، فيعود إلى التَّوْبة والمعاهدة، فتارة ينوي الطَّلاق بمعنى أن زوجته محرمة عليه، وتارة من باب التهويل.
المهم حَدَث معه هذا الأمر لشهور، وهو على نفس الحالة، فسألني: هل تعتبر زوجته طالقًا؟ وإذا كانت طالقًا هل يخبرها أن السبب في طلاقها هو الحديث مع أختها فتصدم؟ وهل تعتبر زوجته طالقًا طلاقًا بائنًا أم طلاقًا رجعيًّا؟
للعلم يا شيخي الفاضل فإن المرأة قد تصدم بهذا، وهو نادم جدًّا، لكن المحير أنه لا يعلم كم مرة تلفظ بالطَّلاق، فإن كان الطَّلاق رجعيًّا فهل يهجرها عدة أيام بدون أن يخبرها ثم يراجعها، أم ماذا يفعل؟ وفقكم الله، وجمعنا بكم على طاعته.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإن ما قصد به طلاق زوجته بالفعل عند معاودة هذا الجرم فهو طلاق متفق على وقوعه، وما قصد به مجرد الحض أو المنع، أي أن يمنع نفسه من معاودة هذا الإثم فهو موضع نظر بين أهل العلم، وجمهورهم على وقوع الطَّلاق عند وقوع المعلق عليه، فيجتهد في تذكر عدد هذه الطلقات ويعمل في ذلك بغلبة الظن، فإن كانت قد بلغت ثلاثًا فقد بانت منه زوجته، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره، وإن كانت الأخرى فإن له رجعة ولا يلزمه أن يخبر زوجته بسبب الطَّلاق، بل يُبقي هذا سرًّا بينه وبين ربِّه، ويجدِّد التَّوْبة من هذه الخطيئة، والتَّوْبة تعني إصلاح الماضي بالنَّدم، وإصلاح الحاضر بالإقلاع عن الذَّنْب، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم العودة إلى ذلك أبدًا، ثم يتبع السيئة الحسنة تمحها(1)، فإن الحسنات يُذهِبن السَّيِّئات(2)، ولا يزال لسانه رطبًا بذكر الله، ويتخذ لنفسه رفقة صالحة تذكره إذا نسي، وتعينه إذا تذكر، ونسألُ اللهَ لنا وله العافية. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________
(1) فقد أخرج أحمد في «مسنده» (5/153) حديث (21392)، والترمذي في كتاب «البر والصلة» باب «ما جاء في معاشرة الناس» حديث (1987) من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قال لي رسول الله ﷺ: «اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْـحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
(2) قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114].