أرجو التفصيل في أسباب فسخ النكاح وصيغته؟ وإذا زعمت امرأة أن زوجها هجرها منذ أكثر من سبعة شهور ولم يُنفق عليها ولم يتصل بها وهي لا تعلم أين هو ولا تعرف له عنوانًا، فهل يحق لإمام المركز الإسلامي أن يفسخ عقد زواجها منه؟ أفيدوني ما الواجب فعله في هذه الحالة؟ جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فإنَّ غَيْبة الزوج تُلحق بزوجته ضررًا مؤكدًا؛ لكونها تفوت عليها أغراض الزواج، والضرر يُزال عملًا بقوله ﷺ: «لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ»(1)؛ فيُدفع قبل الوقوع ويُرفع بعده.
وإذا كان تشريع الإيلاء والتفريق لعدم الإنفاق على الزوجة أو لعُنَّة الزوج لدفع الضرر عنها، فالتفريق لفَقْد الزوج أحقُّ وأولى بالأخذ، ولها الخيار بين أن تنتظر عودته أو أن تطالب بالتفريق، ويُشرع لها أن تُرجح ما يدفع عنها الضرر ويحقق لها مصلحتها.
والمحفوظ في مدة التربص أربع سنوات، فإن الثابت عن عمر رضي الله عنه أنَّه أمر زوجةً فقدت زوجها أن تتربَّص أربع سنوات من حين رفع أمرها إلى الحاكم(2).
والذي يظهر لي أن هذا مما تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان والمكان، فينبغي أن يُترك تقدير المدة للحاكم أو من ينوب عنه لاختلاف الأمكنة والأزمنة، فمن يُفقد في أدغال إفريقيا مثلًا ليس كمن يفقد في القاهرة، فإن الأول قد فُقد في مكان لا وجود لوسائل الاتصال فيه، بل إن الغائب فيه قد يحتاج إلى سنين للاستبانة لحاله، أما الثاني فإمكان التحقق من حاله أهون وأيسر ولا يحتاج المدة نفسها التي يحتاجها الأول، وليس المفقود زمن الحرب كالمفقود زمن السلم، وليس المفقود قبل ألف عام كالمفقود في زماننا الحاضر.
فعلى الحاكم أو المحكَّم أن ينظر في حال المفقود مِن كِبر السن ومَظِنَّة الهلاك، وحال المرأة من صغر أو كبر، وكونها تعيش في مجتمع إسلامي محافظ أو تعيش في مجتمع غير مسلم متحرر من القيم الأخلاقية.
وصفوة القول أنه يجوز للمرأة التي غاب عنها زوجها أن ترفع أمرها إلى القاضي أو من يقوم مقامه من المحكمين وأئمة المراكز الإسلامية ويُترك لهم تحديد المدة والكيفية والتحقق في هذا الغياب.
والذي ننصح به ونؤكد عليه هو عدم التسرع في ذلك، فإن التسرع في مثله وخيمُ العاقبة، كما ننصح كذلك بضرورة التواؤم مع الموقف القانوني، فليس لإمام المركز الإسلامي أن يمنح فسخًا أو تطليقًا للغَيْبة لتتزوج المرأة بذلك وتضع نفسها ومَن منح لها هذه الوثيقة في مصادمة مع النظم القانونية السائدة، فينبغي الرجوع إلى رجال القانون في ذلك لتتم الملاءمة. والله تعالى أعلى وأعلم.
________________
(1) أخرجه الحاكم في «مستدركه» (2/66) حديث (2345)، والبيهقي في «الكبرى» (6/69) حديث (11166)، والدارقطني في «سننه» (3/77) حديث (288)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه». وقوَّاه النووي في «الأربعين»، وحسَّنه ابن الصلاح، وذكره الألباني في «السلسلة الصحيحة» (250).
(2) أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (7/86) حديث (12320)، (12321).