خُطبت خمس سنوات لمن ارتضى أبي رحمه الله دينه وخلقه، ولم يثقل عليه بأي مطالب، واحتضنه لأنه كان يتيمًا ولم يساعده أحد.
وأراد الزوج الهجرة إلى أمريكا، فسافرت معه بعد أسبوع من الزواج وتركت بلدي وأهلي وعملي وأطعته، وكانت حياتنا هادئة أول أربع سنوات، رزقنا الله فيها بالبنين والبنات، وتحسَّنت أحواله المادية، وكان مُقِللًا جدًّا في المعاشرة الزوجية، حتى قبل الإنجاب ومع التزين والاهتمام كان يبتعد وينفر ويقول: إنه لا يشعر معي بالإثارة، وإنني كأخته أو أمه، وكان حتى في أيام زواجنا الأولى يتركني ويقضي الساعات على الإنترنت.
وتفاجأت يومًا أنه كان على وشك الزواج من مطلقة غير ملتزمة، وسألته: هل قصرت في شيء؟ قال: لا. لكنه لم يتوقف، وعرف الكثيرات على الإنترنت من مواقع الزواج، وعاش قصصَ حبٍّ كثيرة، وصار يكذب ويقول أنه عنده عمل. ويغيب ليسافر ويتعرف ويخطب، وكان يهملني كزوجة ويهمل أولاده.
وصرت أنا في حالة بكاء مستمر، أساله: لماذا لا يريحني؟ وضاعفت اهتمامي به وبمظهري، لم يكن ينظر لي حتى أو يُسمعني كلمة طيبة، ورجوته إن لم يصبر على ما ينقصه معي فلا يتزوج لأني أحبه وفي غربة ووحدة، وأنا وأولاده لا نجده، وكان يكذب، إلى أن سافر وعاد بزوجة تعرَّف عليها من الإنترنت، وأتى بها لنفس البلد، ومن وقتها وهو يغيب عن البيت ويهملنا أكثر، حتى ماديًّا، ولا يرى الأولاد إلا ساعات في الأسبوع، وإذا كلمته ليأتي يُرسل لي رسالة ولا يأتي.
وأنا الآن الأب والأم ووحيدة، وأراهما معًا وأسمع أخبارهما، ويأخذ كل شيء وحاجياته بالتدريج، وبعد عِشرة أربع عشرة سنة خان أمانة أبي وأحياني في بكاء وهمٍّ وأطفالي صغار.
كلمتُ أسرته ولم يستطع أحد فعل شيء، وكانوا لا يصدقون، واستحالت عشرتي معه، فقدْ فَقَدَ احترامه كزوج يعيش قصص الحب والزواج على الإنترنت ولا يكون لديه رحمة ومالَ سريعًا عنا. ما حكم الطلاق؟
إنني أود الطلاق لأنني كرهته، وحتى لما أراه لا أريد النظر له أو سماع صوته، فهو يحيا كعريس أمامي في الوقت الذي حرمني أنا حقوقي سنوات.
وقد مرضت وأخشى الاكتئاب، وأولادي معي لا أريد إهمالهم، وقلت له: طلِّقني وارحل بها لأي مكان لتهدأ نفسي وألتفت لدراستي التي تركتها لعدم قدرته على الإنفاق وقتها ثم الإنجاب.
وقد يسَّر اللهُ لي من يُعينني على تربية أولادي وتوجيههم، ويشعرني أنني زوجة، لكنه يماطل ويجعل الأمور تسوء بيننا أكثر ويتشاجر كلما أتى إلى البيت وينتقد كل شيء حتى شكلي، وبحثت عمن أوسِّطه فلم أجد، ولا أريد أن أفضحه؛ لأن الناس تحترمه.
أعرف أن المشاكل تزداد، وفي يوم انهرت، ونقلني الناس إلى المستشفى واعتقدوا أنني أريد إيذاءه لأنني الزوجة الرسمية له هنا، وتركني في المستشفى وأخفى عني الأولاد عند زوجته، ينصحني الناس أن أرفع قضية طلاق أمريكي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فأسأل الله أن يجبر كسرك، وأن يطيب خاطرك، وأن يرزقك من عسرك يسرًا، ومن ضيقك فرجًا ومخرجًا، اللهم آمين.
ولا يخفى أن المرأة إذا تضرَّرت من سوء عشرة زوجها لها، ولم تُطِق على ذلك صبرًا، وأثبتت ذلك، وفشلت كلُّ مساعي الإصلاح والتوفيق فإن لها الحقَّ في طلب التطليق للضرر، وهو تطليق تحتفظ معه المطلقة بسائر حقوقها المادية بعد الطلاق من مؤخر الصداق ونفقة العدة ونحوه.
وإذا آلت الأمور إلى هذا النحو وأمسكك ضرارًا وأبى أن يُسرِّحك بإحسان، فإنه يمكنك الرجوع إلى القضاء الأمريكي لحل عقدة الزواج من الناحية القانونية، ثم تأتين بعد ذلك بهذه الوثيقة إلى المسجد ليتولى حل عقدة الزواج من الناحية الشرعية، بعد نظر الأمر والتحقق من تضرر الزوجة، وإصرار الزوج على إمساكها ضرارًا، وبهذا تبرأ ذمتك شرعًا.
فاستخيري يا أمة الله فيما أنتِ مقدمة عليه، واستشيري المقربين منك من أهلك من ناحية، ومن بعض أهل العلم المخالطين لكم والذين يعرفون أحوالكم عن كَثْب من ناحية أخرى.
وأسأل الله جل وعلا أن يلهمك رشدك، وأن يحملك في أحمد الأمور عنده وأجملها عاقبة. والله تعالى أعلى وأعلم.