قد تعلم يا فضيلة الشيخ ما أثاره كتاب «ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي» للشيخ سفر الحوالي حفظه الله من ردود كان أهمها كتاب «ظاهرة الإرجاء قراءة نقدية» للشيخ ياسر البرهامي حفظه الله، ومع حسن ظننا التام بكلا الشيخين الكريمين فإني أحب أن أعرف رأيكم في الموضوع وإذا لم تكن قد قرأت كتاب الشيخ ياسر فأود أن أعرف من فضيلتكم ما يلي:
– هل ممكن أن تتخلف كامل الأعمال الظاهرة ويبقى الإنسان على الإسلام؟
– إذا كانت المرجئة تفصل العمل عن الإيمان فما المعنى من أن نقول: إن الإيمان قول وعمل ثم نخرج العمل عمليًّا عن الإيمان؟ أم أن أعمال القلوب هي جزء ثابت من أصل الإيمان؟
– إذا كان الإيمان يثبت بالشهادتين وعمل القلب- على حد تعبير الشيخ ياسر- فكيف يخرج المرء من الإسلام بارتكاب الأعمال المخرجة من الملة؟
– طبعًا تعرفون ما يدور حول قضية الحكم بما أنزل الله وهل هو كفر أكبر أم أصغر، وقد قرأت لكم رسالة في حكم العلمانية في الإسلام وعلى هذا: أليس من الظلم والخيانة سحب قضية الحكم بغير ما أنزل الله لو كان صاحبه يظن أنه كفر أصغر على العلمانية؟
في الحقيقة أنا مهتم جدَّا بفكر الشيخ الصاوي فأرجو منه أن يفتح لي الباب للمناقشة في الكثير من الأمور، وبارك الله فيكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لقد قرأت كلًّا من الكتابين ولكن منذ مدة وقد طال العهد بهما، وزاحمتنا نوازل المسلمين في الغرب وليس منها هذه القضايا، وصفوة القول في هذه القضية أن الأعمال شرط كمال للإيمان إلا ما دل الدليل منها على أنه شرط صحة، وهذا لا يتنافى مع قولنا: إن الإيمان قول وعمل؛ لأن المرجئة أخرجوا الأعمال جميعًا من مسمى الإيمان، والخوارج أدخلوا الأعمال جميعًا في أصل الإيمان، وأهل السنة بينهما قالوا: إن الإيمان قول وعمل، ولكن من الأعمال ما يدخل في أصل الإيمان ومنها ما يدخل في كماله الواجب ومنها ما يدخل في كماله المستحب، والأدلة الشرعية هي التي تميز هذا من ذاك.
أما حديثي عن العلمانية فهو هذا الذي قرأته في رسالتي حولها، ومناط العلمانية يختلف عن مناطات الحكم بغير ما أنزل الله الذي وردت فيه عبارات السلف أنه كفر دون كفر، فالعلمانية منهج يرفض ابتداءً مرجعيةَ الشريعة، ويرفض ابتداء التحاكمَ إلى ما أنزل الله، ويتقلد ذلك معتقدًا وفكرًا وثقافة، ويوالي ويعادي على أساسه، ولا أحسب أحدًا يقول: إن هذا من جنس الذنوب والمعاصي أو إن هذا يصدق عليه قول السلف: إنه كفر دون كفر.
مع ملاحظة ما هو مستقرٌّ عند أهل السنة والجماعة من الفرق بين تكفير الجنس وتكفير المعين، ومن التأكد عند إجراء الحكم على معين من تحقق شروط التكفير وانتفاء موانعه. والله تعالى أعلى وأعلم.