جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم، كان هناك خلاف في تفسير آية في القرآن الكريم، فذهبت لأرى تفسيرها في «تفسير القرطبي» وكان والدي يجلس بجواري فسألني عما أبحث، فأخبرته بالخلاف في تفسير هذه الآية، وقلت له: «فجئت أتحاكم إلى الطاغوت»، وكان في ذهني الآية في سورة النساء: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 60].
فندمت كثيرًا عما قلت، واستغفرت الله بعد ذلك، وقلت في نفسي: لا يجوز أبدًا المزاح في مثل هذا، واستغفرت الله، ولكن تبقى الأسئلة: هل هذه الكلمة مكفرة؟ وإن كانت فهل لي من توبة؟ أعلم أن الذنب لا يكتب في صحيفة السيئات إلا بعد مرور 6 ساعات فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فهل استغفاري حينها كفاني؟ جزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن ما قلته كبير عند الله ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: 15]، ومثل هذه الحرمات لا يجوز المزاح فيها؛ لتعارض ذلك مع تعظيم شعائر الله عز وجل وتعظيم حرماته، وجميل منك أنك ندمت على الفور واستغفرت ربك عز وجل ، وهو جل وعلا أهل التقوى وأهل المغفرة(1)، فلا تعد إلى مثل ذلك، وأكثر من الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات(2)، وما ورد من قولك: إن الذنب لا يُكتب إلا بعد 6 ساعات فقد ورد في السُّنة ما يدل على ذلك في حديث يبلغ مرتبةَ الحسن، ونصه: «إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُ الْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْـمُسْلِمِ الْـمُخْطِئِ أَوِ الْـمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ الله مِنْهَا أَلْقَاهَا، وَإِلَّا كُتِبَتْ وَاحِدَةً»(3). ونسأل الله أن يمن علينا وعليك بالقبول والمغفرة، والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال تعالى: ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر: 56].
(2) قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114].
(3) أخرجه الطبراني في «الكبير» (8/185) حديث (7765)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/391) حديث (7051)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه . وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/207- 208) وقال: «رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها وثقوا»، والحافظ العراقي في «تخريج أحاديث الإحياء» (2/1053) وقال: «الطبراني و البيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند فيه لين».