هل يجوز للمسلمين المهاجرين في أوربا وأمريكا الاشتغال بالعمل السياسي في هذه البلاد كالترشيح للبرلمانات المحلية، أو الفيدرالية، أو الاشتراك في الأحزاب، أو تأييد مرشح على آخر في الانتخابات، دفعًا للظلم الواقع على المسلمين، أو تحقيقًا لبعض مصالحهم؟ وهل هناك من حرج في دعوة أحد المرشحين من غير المسلمين إلى لقاء عام تعقده له الجالية لعرض مطالبها عليه من ناحية أخرى؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
لقد سبق أن العمل السياسي من مسائل السياسة الشرعية التي تتقرر في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، ويكون الحكم فيها لما غلب، ولا شك أنه مع إقامة المسلمين في هذه المجتمعات تنشأ لهم فيها من المصالح ما تمس الحاجة إلى حمايته والدفاع عنه، إن لهم من الناشئة ما يحتاج إلى مؤسسات تعليمية للمحافظة على هويته، ولهم من الأموال ما تمس الحاجة إلى تثميره والمحافظة عليه، ولهم من البرامج الدعوية ما يتطلعون إلى إقامته، ولهم من المؤسسات الإسلامية (المساجد والمراكز وسائر المؤسسات) ما يحتاج إلى من يدفع عنه ويناضل دونه، وللأمة عامة قضاياها العادلة والمشروعة في شتى المواقع، وتتطلع أن يكون لمسلمي هذه المجتمعات دور في تبني هذه القضايا، والدفاع عنها، والتعريف بها لدى الجهات التنفيذية، وحمل صناع القرار على احترامها، وعدم الاستطالة عليها، وإذا كان ذلك كذلك فإن الحاجة ماسة إلى المشاركة في العمل السياسي بالقدر الذي يحقق هذه المصالح، ويرفع أو يقلل بعض المظالم الواقعة عليها.
بيد أن المحاذير التي تصحب هذا العمل تزداد في ديار الكفر مقارنة بنظيرتها في ديار الإسلام، لما تؤدي إليه الإقامة خارج ديار الإسلام عامة، والتعامل اليومي مع غير المسلمين من رقة في الدين، وجهل بكثير من ضوابطه، ولهذا يتعين الحذر الدائم، واليقظة المستمرة، وتوثيق الصلة مع أهل العلم، والرجوع إليهم في كل ما يطرأ من النوازل، والإصغاء إلى النصيحة التي يقدمونها، وعدم تجاوزها في قليل أو كثير.
ولا يتسنى القيام بعمل سياسي ناجح في هذه الأجواء إلا إذا اتفق المسلمون على جملة من المطالب والسياسات تمثل مشتركًا سياسيًّا يسعون إلى تحقيقه في هذا المعترك، ثم اتفقوا على جهة تتحدث باسمهم، وترفع مطالبهم إلى مختلف الجهات المعنية، أما إذا كان أمرهم فرطًا، ولم يتفقوا على برنامج سياسي، ولا على جهة تمثلهم في هذا المعترك فلا أحسب أن تكون لهم شوكة في خضم هذه الحرب الضروس.
– لا بأس بعقد بعض اللقاءات العامة مع بعض المرشحين من غير المسلمين، على أن يكون الهدف منها استفاضة البلاغ برسالة الإسلام وسمو أحكامه من ناحية، وتعريفهم بمطالب الجالية المسلمة، وإزالة الشبهات التي يلصقها بها الإعلام المعادي من ناحية أخرى.
– لا بأس أن يتقلد المسلم من الولايات في المجتمع الكافر ما لا يُعرِّضه لفتنة الحكم بغير ما أنزل الله، أو يحمله على ترك واجب، أو على فعل محرم، أو يضعف ولاءه لدينه وأمته، إذا كان ذلك يحقق نفعًا للمسلمين أو يدفع ضرًّا عنهم، ولهذا يختلف الحكم فيه باختلاف الأشخاص والأحوال.
ولا بأس بطلب هذه الولاية عند ظهور المصلحة للمسلمين في ذلك، وأن يسلك في الحصول عليها مسالكها المتبعة في هذه المجتمعات، ما دامت لا تنطوي هذه المسالك في ذاتها على محظور شرعي.
كما يجوز أيضًا إعانة أحد المرشحين لهذه الولايات من الكافرين على كافر آخر، إذا كان الأول معروفًا بقله عدائه للمسلمين وكان الآخر شديد النكاية فيهم، بناء على قاعدة تقليل المفاسد، وهي إحدى القواعد الشرعية المعتبرة، ما لم يعارض ذلك بمفسدة راجحة. والله تعالى أعلى وأعلم.