قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، من رواية أبي صالح السمان، عن مالك الداري- وكان خازن عمر- قال: أصاب الناسَ قحطٌ في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، استسق لأمتك؛ فإنهم قد هلكوا. فأتى الرجلَ في المنام فقيل له: ائتِ عمرَ… الحديث. «فتح البارى»(1). وقال ابن كثير في «البداية والنهاية»: إسناد صحيح. هل هذا النداء للاستغاثة في الحديث شرك أم لا؟
_______________
(1) «فتح الباري» (2/495- 496).
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن هذا الأثر على فرض صحته ليس بحجة على جوازِ الاستسقاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدَ وفاته؛ لأن السائلَ مجهول؛ ولأن عمل الصحابة على خلافه، وهم أعلم النَّاس بالشرع، ولم يأتِ أحد منهم إلى قبره يسأله السُّقيَا ولا غيرها، بل عدل عمر عنه لما وقع الجدب إلى الاستسقاء بالعبَّاس(2)، ولم ينكر ذلك عليه أحد من الصحابة، فعُلم أن ذلك هو الحق، وأن ما فعله ذلك الرجل مُنكَر وذريعة إلى الشرك. ولو كان دأب الصحابة أن يأتوا إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ليسألوه الدعاء في الملمَّات لسألوه ذلك فيما اختلفوا فيه توفيرًا للدماء وجمعًا للكلمة، لكنهم لم يفعلوا، فدلَّ ذلك على عدم مشروعيته.
فضلًا عن كون الأمر لا يعدو أن يكون رؤيا منامية، والرؤى المنامية لا تثبت بها أحكامٌ شرعية، اللهم إلا رؤيا الأنبياء، فهي المعصومة التي تُتلقى منها الشرائع كما تُتلقى منهم في اليقظة. صلوات الله وسلامه عليهم. ومن جهة أخرى فقد ذكر أهل العلم بالجرح والتعديل أن هذا الأثر ضعيف منكر؛ لعدة أمور، منها:
أولًا: جهالة الرجل الذي أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذكرنا، وأما تسميته بلال بن الحارث المزني- أحد الصحابة- كما ورد في رواية سيف، كما في «الفتح»(3)، فقد أجاب عنها العلامة الألباني: في «التوسل»(4) بقوله: «وتسميته بلالًا في رواية سيف لا يساوي شيئًا؛ لأن سيفًا هذا- وهو ابن عمر التميمي- متفق على ضعفه عند المحدثين، بل قال ابن حبان فيه: يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنه كان يضع الحديث. ومن كان هذا شأنه لا تُقبل روايته، لاسيما عند المخالفة. بل رماه ابن حبان والحاكم بالزندقة».
ثانيًا: مالك الدار مجهول الحَال، إذا شهدنا له بالثقة لم نشهد له بالضبط في روايته، وما قيل: إنه خازن عمر، لم يُسلَّم به عند بعض الباحثين؛ فإن ضبط المخازن لا يحتاج إلى ضبط ذاكرة، بخلاف الحديث.
ثالثًا: أن الأعمشَ ممن يجمع حديثه، وتفرُّد أبي معاوية عن الأعمش دون بقية أصحابه الثقات الكثر غير مقبول، ولاسيما عند من يعد هذه الحكاية أصلًا في أصول الشرع. فتبين أنه شديدُ الضعف من جهة الرواية، فضلًا عن نكارته من جهة الدراية. والله تعالى أعلى وأعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخرجه البخاري في كتاب «الجمعة» باب «سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا» حديث (1010) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعمِّ نبينا فاسقنا. قال: فيُسْقَوْن.
(2) «فتح الباري» (2/459).
(3) «التوسل» ص120.