هل يجوز أن أشهد زورًا على شخص أعلم أنه قتل مائة بالمائة، ومتأكد تمامًا، وسوف أشهد زورًا كي يأخذ جزاءه، وإن لم أفعل سيفلت من العقوبة. فهل يجوز الشهادة في هذه الحالة؟ بارك الله فيكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن شهادة الزور من الكبائر فلا تحِلُّ، ولو كان المراد بها التوصُّل إلى حقٍّ؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟!» ثلاثًا. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «الْإِشْرَاكُ بِالله، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» وجلس وكان متكئًا فقال: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ». قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الْقِسْمُ الثالِثُ: أنْ يقْصِد بِالْحِيلةِ أخْذَ حقٍّ، أوْ دفْعَ باطِلٍ، لكِنْ يكُونُ الطرِيقُ فِي نفْسِهِ مُحرمًا مِثْلُ أنْ يكُون لهُ على رجُلٍ حق مجْحُودٌ فيُقِيم شاهِديْنِ لا يعْلمانِهِ فيشْهدانِ بِهِ- فهذا مُحرمٌ عظِيمٌ عِنْد الله قبِيحٌ؛ لِأن ذيْنك الرجُليْنِ شهِدا بِالزورِ، حيْثُ شهِدا بِما لا يعْلمانِهِ، وهُو حملهُما على ذلِك، وكذلِك لوْ كان لهُ عِنْد رجُلٍ ديْنٌ ولهُ عِنْدهُ ودِيعةٌ فجحد الْودِيعةَ وحلف ما أوْدعنِي شيْئًا، أوْ كان لهُ على رجُلٍ ديْنٌ لا بينة بِهِ وديْنٌ آخرُ بِهِ بينةٌ لكِنْ قدْ أقْضاهُ فيدعِي هذا الديْن ويُقِيمُ بِهِ الْبينة ويُنْكِرُ الِاقْتِضاء ويتأولُ: إني إنما أسْتوْفِي ذلِك الدين الأول. فهذا حرامٌ كُلهُ؛ لِأنها إنما يُتوصلُ إليْهِ بِكذِبٍ مِنْهُ، أوْ مِنْ غيْرِهِ؛ لاسِيما إنْ حلف. والْكذِبُ حرامٌ كُلُّهُ. وهذا قدْ يَدْخُلُ فِيهِ بعْضُ منْ يُفْتِي بِالْحِيلةِ لكِن الْفُقهاء مِنْهُمْ لا يُحِلونهُ»(2). وجاء في الفتاوى الكبرى له رحمه الله قوله:( كما أن شهادة الزور والكذب حرام وإن قصد به التوصل إلى حقه) انتهى. ” الفتاوى الكبرى ” (6 / 119): ” والله تعالى أعلى وأعلم.
_______
(1) متفق عليه؛ أخرجه البخاري في كتاب «الشهادات» باب «ما قيل في شهادة الزور» حديث (2654)، ومسلم في كتاب «الإيمان» باب «بيان الكبائر وأكبرها» حديث (87).
(2) «إقامة الدليل على إبطال التحليل» (1/119)، «الفتاوى الكبرى» (3/194).