امرأة كتابية شرح الله صدرها للإسلام، فأسلمت وبدأت تؤدي فرائض الإسلام، ولكنها بسبب وظيفتها لا تستطيع أن تلتزم باللباس الإسلامي الذي نصت عليه الشريعة للمرأة المسلمة. فكيف توفق بين عملها الذي تسترزق من خلاله، وبين الالتزام باللباس الإسلامي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
لقد أمر الله نساء المؤمنين خاصة أزواج النبي وبناته لشرفهن بالتصون وستر العورات، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: 59]. وذلك ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء.
وقال تعالى آمرًا المؤمنات بغض البصر، وحفظ الفروج، وعدم إبداء الزينة لغير الزوج والمحارم: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]
ونهاهن عن التبرج الذي كانت عليه الجاهلية الأولى، فقال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]
والتبرج الذي كان يومئذ أن تلقي المرأة الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها فيبدو كل ذلك منها.
وتوعَّد السافرات الكاسيات العاريات بألا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ المَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا»(1).
ولا أكاد أفهم ما جاء في السؤال من أنها لا تستطيع أن تلتزم باللباس الإسلامي، هل تقصد أنها لا تستطيع مخالفة العرف السائد في هذه البلاد من السفور والتهتك؟! أم تقصد أن ثمة موانع قانونية تحول بينها وبين هذا الالتزام؟!
أما الأول فلا يصلح عذرًا لأن المسلم لا ينبغي أن يستشعر الحرج في نفسه من مخالفة جاهلية العري التي كبت في أوحالها المجتمعات المعاصرة، لاسيما وأن أهل هذه الجاهلية لا يستشعرون حرجًا من ممارسة هذا التهتك عندما يفدون إلى بلاد الإسلام، ولا يقيمون وزنًا لمشاعر أبنائها، بل يأتون ما يأتون بلا حرج ولا استتار!! فكيف يتوارى أصحاب الحق بحقهم ويستحيون من ممارسته بينما يعربد دعاة الضلالة ويصولون بباطلهم ويجولون، ولا يستحيون من ممارسته ولا يستخفون؟! فأي الفريقين أحق بالثبات والاستعلاء؟! قال تعالى:﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 139]، وقال تعالى:﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 35]
إن على المسلم أن يرفع رأسه عاليًا وأن يفخر بأنه مسلم، وإن على المسلمة أن تزهو بحجابها أمام الكاسيات العاريات، وأن تقول بلسان الحال وبلسان المقال: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
أما إن كان ثمة موانع قانونية تحول بينها وبين الالتزام باللباس الإسلامي فهنا نكون فقط أمام حالة من حالات الضرورة، وعليها أن تبحث على الفور عن بديل إسلامي لا تفتن فيه عن دينها، ولا تضطر معه إلى كشف ما أوجب الله عليها ستره، وإن كنت أشك كثيرًا في وجود هذه الموانع في مثل هذه البلاد التي ما فتئت تتغنى بحرية الرأي وحقوق الإنسان على الأقل داخل حدودها، وترى ذلك من الثوابت الأساسية التي لا تفرط فيها بحال من الأحوال. والله تعالى أعلى وأعلم.
______________________
(1) أخرجه مسلم (2128).