ما حكم صبغ شعر الرَّجُل باللون الأسود؟ وهل يجوز الصبغ بالحنة السوداء بدلًا من الصبغة السوداء، أم أن تلوين شعر الرجال باللون الأسود حرام عمومًا؟ وماذا أيضًا بالنِّسْبة للزَّوْجة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه و من والاه؛ أما بعد:
فقد اختلف الفقهاءُ في حكم الصبغ بالسَّواد الخالص: فمنهم من ذهب إلى تحريمه، ومنهم من ذهب إلى كراهته، وأدِلَّة الفريقين واحدةٌ، وإنما اختلفوا في دلالة النَّهْي وتأويل المخالف له؛ ولهذا فإن أدنى أحواله الكراهة، ورخَّص بعضُهم فيه للرِّجال في الجهاد خاصَّةً، وللمرأة التي تقصد بذلك التَّزيُّن لزوجها.
ومما استدلَّ به على منع الصبغ بالسَّواد ما رواه أبو داود وأحمد والنَّسَائيُّ كلُّهم من حديث ابن عباسٍ ب قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُخَضِّبُونَ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْـحمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْـجَنَّةِ»(1). وروى مسلمٌ في «صحيحه» قولَه صلى الله عليه وسلم : «غَيِّرُوا هَذَا بِشَيءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ»(2).
قال صاحب «عون المعبود»: «ذهب أكثرُ العلماء إلى كراهة الخضاب بالسَّواد، وجنح النَّوَويُّ إلى أنها كراهةُ تحريم، وأن من العلماء من رخَّص فيه في الجهاد ولم يُرخِّص في غيره، ومنهم من فرَّق في ذلك بين الرَّجُل والمرأة، فأجازه لها دون الرَّجُل، واختاره الحليمي»(3).
وقال ابن قُدَامة :: «ورخَّص فيه- أي: الصبغ بالسَّواد- إسحاق للمرأة تتزيَّن به لزوجها»(4).
قال ابن القيم :: «ورخَّص فيه- الصبغ بالسَّواد- آخرون للمرأة تتزيَّن به لبعلها دون الرَّجُل. وهذا قول إسحاق بن راهويه، وكأنه رأى أن النَّهْيَ إنما في حقِّ الرجال، وقد جُوِّز للمرأة من خضاب اليدين والرِّجلين ما لم يُجَوَّز للرجل»(5).
والاحتياط مَنْعه بالنِّسْبة للرِّجال والنساء عامَّة، ولعل الحِكمة في منعه- والله أعلم- ما يتضمَّنه من مُضادَّة الحِكمة في خلق الله تعالى بتجميله على خلاف الطَّبيعة، فيكون كالوشم والوَشَر والنَّمْص والوصل، وهذا الحكم للصبغ بالسَّواد الخالص، أما غير ذلك مما يميل إلى السَّواد فلا حرج في الصَّبغ به؛ لما رواه مسلمٌ من حديث أنسٍ قال: اختضب أبو بكرٍ بالحناء والكَتْم واختضب عمر بالحناء بحتًا(6). أي منفردًا.
وهذا يُشعر بأن أبا بكر كان يجمع بينهما دائمًا، والكتم نباتٌ باليمن يُخرج الصبغَ أسود يميل للحمرة، وصبغ الحناء أحمر، فالصبغ بهما معًا يُخرج بين السَّواد والحمرة. واللهُ تعالى أعلى وأعلم.
_____________________
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (1/273) حديث (2470)، وأبو داود في كتاب «الترجل» باب «ما جاء في خضاب السواد» حديث (4212)، والنسائي في كتاب «الزينة» باب «النهي عن الخضاب بالسواد» حديث (5075)، وذكره ابن حجر في «فتح الباري» (6/499) وقال: «إسناده قوي»، وذكره ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/335) وقال: «أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وإسناده صحيح».
(2) أخرجه مسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة وتحريمه بالسواد» حديث (2102) من حديث جابر بن عبد الله ب.
(3) «عون المعبود» (11/178).
(4) «المغني» (1/67).
(5) «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (11/173).
(6) أخرجه مسلم في كتاب «الفضائل» باب «شيبه صلى الله عليه وسلم » حديث (2341