هل يجوزُ للمرأة التزيُّن بالوشم المؤقت الذي لا يترك آثارًا دائمة، ويمكن للمرأة إزالته متى شاءت؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فإن الوشمَ المُحرَّم الذي توعدت النصوص مَن تفعله هو ذلك الوشم الدائم، الذي يكون بغرزِ الإبَرِ في الجسد حتى يسيل الدمُ، وحشو موضعها بالكُحل أو غيره، ليكتسب الجلد لونًا آخر كالخضرة ونحوه، أو ما حل محله وأنتجَ مثلَ أثره من وسائل التجميل المعاصرة وآلياته.
ويستعمل الوشمُ لاعتبارات جمالية، وقد يكون مرتبطًا بالخرافات والتعاويذ الباطلة، فقد كان قدماء المصريين يعتقدون أنه يشفي من الأمراض، وأنه يدفع العين والحسد.
وتحريمُ الوشم على هذا النحو موضعُ إجماع أهل العلم، وقد وردَت في ذلك نصوصٌ صحيحة صريحة، نذكر منها:
ما رواه عبد الله بن مسعود قال: لعن اللهُ الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحُسْن المُغيِّرات خَلْقَ الله. قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسدٍ يقال لها: أم يعقوب. وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحُسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله! فقالت المرأة: لقد قرأتُ ما بين لَوْحَيِ المُصحَف فما وجدتُه. فقال: لئن كُنتِ قرأتيه لقد وجدتيه؛ قال الله عز وجل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7]. فقالت المرأة: فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتك الآن. قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلَتْ على امرأة عبد الله فلم تَرَ شيئًا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئًا. فقال: أما لو كان ذلك لم نُجَامِعْهَا(1).
ومعنى قوله: لو كان ذلك لم نجامعها: لم نُصَاحِبْها ولم نجتمع نحن وهي، بل كنا نُطلِّقها ونُفارقها. كما نقل ذلك النووي عن جماهير أهل العلم(2).
قال النووي رحمه الله: «الواشمة: فاعلةُ الوشم، وهى أن تغرِزَ إبرة أو مسلةً أو نحوهما في ظهرِ الكفِّ أو المعصم أو الشَّفة أو غير ذلك من بدن المرأة، حتى يسيل الدمُ، ثم تحشُوَ ذلك الموضع بالكُحل أو النُّورَة(3) فيخضرَّ، وقد يفعل ذلك بدارات(4) ونقوش، وقد تُكثره وقد تقلله. وفاعلة هذا واشمة، والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فِعل ذلك بها فهي مستوشمة. وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له، وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلةُ ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ.
قال أصحابنا: هذا الموضع الذي وُشِم يصير نجسًا، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالتُه، وإن لم يمكن إلا بالجرح؛ فإن خاف منه التَّلَف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئًا فاحشًا في عضوٍ ظاهرٍ لم تجب إزالته، فإذا بان لم يبقَ عليه إثمٌ، وإن لم يَخَفْ شيئًا من ذلك ونحوه لزمه إزالتُه، ويعصي بتأخيره، وسواء في هذا كله الرجل والمرأة. والله أعلم»(5) انتهى.
وقال ابن حجر: «والموشومة هو مِن الوشم، وهو شقُّ الجلد بإبرة وحشوه كحلًا أو غيره فيخضر مكانه»(6).
أما مجرد النقوش، سواء أكانت بالحناء أم بغيرها مما يترك لونًا مؤقتًا ويذهب بمرور الوقت، فليس من باب الوَشم المحرَّم في شيء، فقد جات السُّنة بإباحة تزيُّن النساء بالحناء وندبتهن إلى ذلك(7)، إلا ما كان من ذاك على هيئة صور ذوات الأرواح فينهى عنه من هذه الجهة لا من جهة كونه وشمًا.
وصفوة القول أن هذا النقش المؤقت يُرخَّص فيه بالضوابط الآتية:
1. أن يكون الرسم مؤقتًا، أي يزول تلقائيًّا أو يُمكن إزالته، وليس له صفة الديمومة والثبات.
2. ألا تحمل الرسومات شعاراتٍ تعظم دينًا مُحرَّفًا، أو عقيدة فاسدة، أو منهجًا ضالًّا.
3. ألا يتضمَّن رسوماتٍ لذوات أرواح.
4. ألا تظهر هذه الزينة لرجلٍ أجنبيٍّ عنها إن كانت في مواضع الزينة الباطنة.
5. ألا يكون في تلك الألوان والأصباغ ضررٌ على جِلدها.
6. ألا يكون فيها تشبُّهٌ بالفاسقات أو الكافرات.
7. ألا تكون في مواضع العورة إن كانت ستتولى تزيينها به غيرُها من النساء.
فإذا تحققت هذه الشروط ساغ التزيُّن به، ويُعد حينئذ من جنس النقوش الجائزة، وليس من جنس الوشم المحرم.
قال الصنعاني رحمه الله: «وقد عُلِّل الوشم في بعض الأحاديث بأنه تغييرٌ لخلق الله، ولا يقال: إن الخضاب بالحِنَّاء ونحوه تشمله العلة، وإن شملته فهو مخصوص بالإجماع، وبأنه قد وقع في عصره صلى الله عليه وآله وسلم، بل أَمَر بتغيير بياض أصابع المرأة بالخضاب»(8).
ويقول الشوكاني: «وهذا إنما هو في التغيير الذي يكون باقيًا، فأما ما لا يكون باقيًا كالكُحل ونحوه من الخضابات فقد أجازه مالكٌ وغيره من العلماء»(9).
والله تعالى أعلى وأعلم.
__________________
(1) متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب «تفسير القرآن» باب { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7]حديث (4886)، ومسلم في كتاب «اللباس والزينة» باب «تحريم فعل الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة» حديث (2125).
(2) «شرح النووي على صحيح مسلم» (14/107).
(3) أخلاط من أملاح الكالسيوم والباريوم. انظر: المعجم الوجيز (نور) .
(4) ينظر: المعلم بفوائد مسلم، أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي (3/139) رقم (997).
(5) «شرح النووي على صحيح مسلم» (14/106).
(6) «فتح الباري» (1/205).
(7) ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في «مسنده» (6/262) حديث (26301)، وأبو داود في كتاب «الترجل» باب «في الخضاب للنساء» حديث (4166)، والنسائي في كتاب «الزينة» باب «الخضاء للنساء» حديث (5089) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: مدَّت امرأة من وراء الستر بيدها كتابًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبض النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يده، وقال: «مَا أَدْرِي أَيَدُ رَجُلٍ أَوْ يَدُ امْرَأَةٍ؟». فقالت: بل امرأة. فقال: «لَوْ كُنْتِ امْرَأَةً غَيَّرْتِ أَظْفَارَكِ بِالْـحِنَّاِءِ». وحسنه الألباني في «صحيح سنن النسائي» (5089).
(8) «سبل السلام» (3/144).
(9) «نيل الأوطار» (6/343).